مرزوق تنباك

نحن المؤامرة الكبرى وما غير ذلك باطل

الأربعاء - 21 يونيو 2017

Wed - 21 Jun 2017

يتحدث كثير من المثقفين والمفكرين والكتاب في الوطن العربي عن الفوارق الثقافية والحضارية بيننا والعالم الآخر، ويذهبون في أحاديثهم وآرائهم كل مذهب، يدور جدلهم العقيم حول سؤال واحد هو ما سبب تخلف العرب خاصة عن العالم كله، وما سبب الهوة الكبيرة بين العرب والعالم، وكيف تردم الهوة الفاصلة بيننا ومن حولنا، ومن هو المسؤول عما حدث من تخلف وتأخر؟



وقد أعياهم البحث وأعيتهم الحجج ولم يجدوا جوابا صالحا جعل العرب خاصة لا يسيرون سير شعوب الأرض التي يعيشون عليها، ويكون لهم نصيب من الرقي والتقدم كما كان لغيرهم من سكان المعمورة.



كان أكثرهم - أي المثقفين العرب - يرى أن القيد الثقافي والحضاري هو سبب التخلف عن ركب العالم، وهو قول يعتمد على استقراء ناقص للواقع وتفسير للحال حين نظر أصحاب هذا الرأي إلى دول العالم الثالث وهي تنساق مع المد الثقافي والحضاري الغربي وتواكبه وتسير معه، أو بالأصح سارت خلفه فلحقت به وتوازت في السير معه أو سبقته في بعض الحالات، أصحاب هذا الرأي جعلوا المقياس الذي بنوا عليه استنتاجهم هو النظر إلى الواقع ومشاهدة التجربة التي يرونها ماثلة أمامهم في بعض دول العالم الثالث الذي كان في أوائل القرن العشرين يقبع خلف العرب بمسافات بعيدة.



وبعد الحرب العالمية الثانية حين فتح الفضاء بين الدول والقارات وزالت الحدود التي كانت قائمة قبل تلك الحرب، وجدوا اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وغيرها من دول الشرق المتأخرة قد قفزت قفزات سريعة بالتقدم بينما بقي العرب في مكانهم فجعلوا ذلك مثلا يبنون عليه نظريتهم، ويرون الفارق الكبير ليس بين الغرب صاحب الحضارة والصناعة والتقدم التقني في كل شيء، لكن بين الدول التي استفادت من الغرب وتلك التي أعيت كل السبل كي تستفيد منه.



كان وهم المؤامرة على العرب هو كل ما يعلل به المثقفون والكتاب والباحثون العرب أسباب التخلف ولا شيء غير المؤامرة في رأيهم الذي يرون، هذه المؤامرة حجة مريحة جدا لهم لأنها تعفيهم من البحث الحقيقي عن أسباب التقصير وتوجد لهم عذرا فاستكانوا إليها طويلا ورددوها في كل مناسبة وضخموا فصول المؤامرة.



ومع كل لوم يوجه لهم أو تثور حوله أسئلة تحرجهم يهربون إلى الجواب السهل للقضية الصعبة.



بحث المثقفون العرب عن سبب لتخلفهم وعثروا على حكاية المؤامرة ليس جهلا بالسبب الرئيس للتخلف ولكنه شعور غير مدرك بتبرئة أنفسهم من المسؤولية، فالشعوب التي يشيرون إليها ويتحدثون عن تقدمها كان مثقفوها وأدباؤها ومفكروها وكتابها هم طليعة التغيير والتقدم.



كان أولئك المثقفون يعون تمام الوعي دورهم الحقيقي في نهضة مجتمعاتهم، ولم يكن الجاه مطلبهم ولا المال غايتهم ولا تملق السلطة سلوكهم ولا النفع الشخصي غرضهم، جعلوا سلامة الرؤية هدفهم ووظفوا فكرهم وعلمهم لصالح مجتمعاتهم، فاستقل مثقفو تلك البلاد عن سياسييها بل رفعوا عصا الثقافة والإصلاح في وجه كل من يريد تكبيل المجتمع ووقف انطلاقه تحت أي ذريعة يتعلل بها الحكام لمصالحهم الخاصة، بهذا أفشل المثقفون المستقلون في تلك البلاد المؤامرات على شعوبهم وحطموا قيود المصالح ووقفوا مع مجتمعاتهم ولم يرتفعوا إلى أغراضهم وأهوائهم.



أما المثقفون العرب فإنهم يعرفون أن تاريخهم القديم مثقل بعلماء السلطان فلما تزحزح العلماء عن سدة الحكم في العصر الحديث حل مثقفو السلطان محلهم وأخذوا دورهم وأصبحوا هم أبواق الأنظمة وطلاب المال والباحثين عن المنافع الذاتية، تخلى المثقف العربي عن دور الإصلاح والتوجيه وسار في ركاب السلطة وتلك هي المؤامرة الحقيقية التي أخرت تقدم الشعوب وفصلتهم عن الحاضر وشدت وثاقهم إلى الماضي، وتلون المثقفون تلون الحرباء في لهيب الرمضاء.