نقشة الطير والنوستالجيا

الثلاثاء - 20 يونيو 2017

Tue - 20 Jun 2017

النوستالجيا كمفهوم هي «الحنين إلى العودة إلى الماضي الجميل المثالي». يدخل أحدنا في شعور عاطفي يختلف في حدته من شخص لآخر نتيجة مروره بموقف أو مكان يذكره بالماضي، وأحيانا تستحضر الذكريات أو المقتنيات القديمة لاستحضار هذا الشعور وتغور لا إراديا فيه للتخلص من حالة اكتئاب طارئة للهروب من الحاضر.

النوستالجيا هي كلمة مشتقة من كلمتين يونانيتين في الأصل هما «nostos» وتعني العودة إلى الوطن وكلمة «algos» وتعني الألم. في علم النفس كانت إلى وقت قريب، تعتبر مرضا ومؤشرا على الاكتئاب. ففي القرن السابع عشر الميلادي، شخصه أحد الأطباء السويسريين واصفا حالة عدد من الجنود السويسريين النفسية والعقلية لرغبتهم الشديدة العودة للديار.

لكنه مؤخرا أصبح أمرا محمودا وحالة عاطفية جميلة انتشرت بين الناس. بدأت كظاهرة إيجابية في قنوات التواصل الاجتماعي أو حتى في الأحاديث بين الناس. اغتنم الإعلام هذه الظاهرة باستغلال العامل النفسي الإيجابي للمتلقي، بدأ بإقحامها في الإعلانات التجارية ومن ثم عن طريق تخصيص قنوات أو ساعات عرض محددة سلفا لعرض كل ما هو قديم. لا يخفى علينا مدى انتشار النوستالجيا من خلال تلقينا الكثير من الرسائل لصور أشخاص تجمع حدثا قديما وبجانبه الحدث الجديد إما لأصدقاء أو لأماكن أو مقتنيات.

أثبتت الدراسات العلمية، أن ما نسبته 80% من الناس قد يشعرون بالنوستالجيا مرة واحدة على الأقل أسبوعيا. قبل مدة، كنت من الأشخاص الذين شملتهم هذه النسبة العالية، حيث شعرت بالنوستالجيا عندما أردت أن أغير أثاث إحدى الغرف. وعند تسوقي وجدت انتشارا هائلا لتصميم قديم يعود إلى الثمانينات الميلادية، لفت انتباهي وبث فيني شعورا جميلا وحنينا لتلك الأيام. سألت البائع وأجاب هذا التصميم يسمى «نقشة الطير»، تصميم قديم يشهد رواجا كبيرا بين الناس، هي النوستاليجا بلا ريب. نحن نسمع كثيرا مصطلح «أيام الطيبين»، «يا زين أيام أول» وغيرهما مما يدل على اشتياق الناس لتلك الفترات. كل جيل يعود بالزمن حسب عمره وتجاربه الماضية.

لا ضير بأن نعيش لحظات النوستالجيا واستعادة الماضي الحسن ومشاركته مع من شاركنا تلك اللحظات أو حتى مع من حولنا من أبناء الجيل الجديد. إحدى هذه اللحظات الرائعة قد تكون مقابلة أصدقاء الدراسة في مختلف المراحل الدراسية واستعادة الذكريات، أو مشاركة الصور القديمة مع أفراد أسرتك، أو زيارة الأماكن التي نشأت بها، أو العودة إلى أرشيف المكتبات وقراءة الكتب والقصص القديمة.

ختاما نقول بادر بخلق «النوستاليجا المستقبلية أو الاستباقية» الخاصة بك. يكون ذلك بالعمل على تقدير اللحظات الآنية والعمل بجد واجتهاد في الوقت الحاضر وعدم الركون للماضي كثيرا متعللا بأنه أكثر إشراقا من الحاضر. لم لا نؤسس النوستاليجا الآن، حتى إذا انقضى الوقت ودارت عجلة الزمن وجدنا أنفسنا نستعيد هذه اللحظات الآنية المليئة بالمنجزات على المستوى الشخصي والعام بكثير من السعادة والرضى. قيل «اغرس اليوم شجرة تنم في ظلها غدا». وقيل أيضا «الحاضر غرس الماضي، والمستقبل جني الحاضر، والتاريخ سجل الزمن».