محمد حطحوط

إلا الدوجااااااج

الاثنين - 19 يونيو 2017

Mon - 19 Jun 2017

كان حديث الناس وشاغلهم في مجالسهم الإعلان الشهير في رمضان الماضي (إلا الدوجااااااج) وهو يجسد شخصية أبوعبدالله الرجل الصحي والفاحص لما يرد على طاولة الطعام، فهو لا يبتاع من لحم البقر إلا أجوده، ولا يأكل من الماعز إلا أحسنه، (إلا الدوجاج، ويقصد الدجاج) فإنه يأخذه من المطعم الفلاني، لأنهم الوحيدون الذين يطمئن لهم أبوعبدالله.



إعلان تقليدي يضرب على وتر (الصحة) لأن المجتمع ازداد وعيه فجأة - شكرا لوسائل التواصل الاجتماعي - في أهمية فحص الداخل إلى البلعوم.



لكن هذا الإعلان أصبح كارثيا للشركة التي دفعت عليه ربما مبالغ ضخمة، وذلك لأنها لم تنتبه لسبب ثقافي بسيط، فأبوعبدالله كان يضغط كثيرا على حرف (الجيم) في كلمة (الدوجاج) بشكل أصبح يصيب المشاهد بالغثيان، وأصبح دون منازع (طقطقة) شهر رمضان كاملا. وأصبحت الشركة المعلنة في وضع لا تحسد عليه، (ويا من شرى له من حلاله علة)، وكيف تحولت ملايين كان هدفها رفع العلامة التجارية، لتصبح مثارا للسخرية والنكات في مجالس الناس. بعدها بأشهر حاولت الشركة لملمة الخلل بقولها: إن الأمر مقصود، ولكن هذا بعد خراب مالطة، وكان بيانا باهتا ينطبق عليه المثل، ليته سكت!



هذا العام تصدر المشهد إعلان آخر لشركة اتصالات خليجية، حاولت المشي في منطقة مليئة بالألغام، من خلال فيديو لنشر السلام والحب ومحاربة الإرهاب، وهي فكرة نبيلة وسامية في أصلها، لكن تنفيذها كان مخجلا ومزعجا لكثير من المشاهدين.



سبب الإزعاج أن الإعلان، أولا، حمل مغالطات تاريخية، وأنه ثانيا، وهنا مربط الفرس، ركز على كلمة (لنفجر العنف رفقا) وكرر كلمة (لنفجر) مرارا، مما جعل الأطفال في البيوت يمشون مغنين: لنفجر.. لنفجر، وهذا يثير حفيظة أي أب أو أم تسمع طفلها ذا الخمسة أعوام يردد وهي عند كاونتر المحاسبة في مول تجاري، لنفجر.. لنفجر!



ولهذا نقدت الإعلان مبكرا في أيامه الأولى، وفوجئت بسيل من الناس يحملون وجهة النظر نفسها، وليس عجبا إذن أن يحتل إعلان (لنفجر) المرتبة الأولى كأسوأ إعلان في رمضان لهذا العام في تقييم تساويق السنوي.



يكاد يستحيل تسويقيا تغيير انطباع سلبي ارتبط بأذهان الناس حول مصطلح معين، ولهذا تغيير الصورة الذهنية عند سماع كلمة (لنفجر) من سلبي بسبب تراكم عقود من جرائم الإرهابيين، ليصبح إيجابيا في شهر، مهمة غير قابلة للتنفيذ، والأمريكي الشهير (ال ريس) تكلم فيها كثيرا ووصل لهذه القناعة.



مرة أخرى تقع قناة كبيرة مثل سي. إن. إن في هذا الفخ، عندما تناولت في نسختها الإنجليزية إعلان (لنفجر) وكانت معجبة بكثرة تفاعل الناس والمشاهدات، دون أن يدرك الخبير الذي أحضروه في الاستديو أنه تفاعل سلبي، والناس ترفض الإعلان جملة وتفصيلا ومتذمرة منه! تماما عندما تناقل مبتعثون سعوديون أغنية ربيكا بلاك الشهيرة (الجمعة Friday) والرقص عليها والإعجاب بها لأنها حققت 100 مليون مشاهدة في فترة وجيزة، دون إدراك أنها بسبب النظرة الساخرة من المجتمع الأمريكي للأغنية لدرجة أنها دخلت لتكون ضمن قائمة أسوأ عشر أغان خلال العقدين الماضيين! كثرة المشاهدات لا تعني أنك تتجه في الطريق الصحيح.



كل المشاهد السابقة يجمعها خيط رفيع: المسوق المميز يتعامل بحذر شديد مع الجانب الثقافي والاجتماعي في حملاته التسويقية! وما زالت شركات كبرى - بعد كل هذا - مقتنعة بأنطوني!