من خطب الجمعة

السبت - 17 يونيو 2017

Sat - 17 Jun 2017

التجرد لله

«تكاثرت النصوص وتوالت في فضائل شهر الصيام والقيام شهر رمضان المبارك حتى عرف عامة الناس مكانته وجلالته وأثره العظيم في تربية الأرواح والقلوب وتهذيب النفوس، بيد أن هذه المعرفة النظرية لا تتطابق مع السلوك العملي في واقع بعض الناس، ولم تترجم إلى ما هو مطلوب منهم فعله في هذا الشهر الكريم، ومن أجل المعاني والقيم التي يغرسها الشهر في قلوب المخبتين الصادقين الخاشعين لله أنه يربيهم على التجرد لله، فهم إن صاموا صاموا لله وحده، وأقاموا الليل من أجل الله إيمانا واحتسابا، أو قرؤوا القرآن وختموه مرارا حبا لله وتقربا إليه، وللعشر المباركات شرف وجلالة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخصها بكثرة العبادة والاجتهاد في القربات والاعتكاف والخلوة بربه، وقد اختص الله هذه العشر بليلة القدر التي لا مثل لها ولا نظير، فهي الليلة التي أنزل فيها القرآن، وليلة القدر ليلة سالمة من كل سوء وكدر، طلقة سمحة معتدلة لا حارة ولا باردة منيرة مضيئة، لا يرمى فيها بنجم ولا ترسل فيها الشهب ولا يخرج شيطان حتى ينبلج الفجر، تطلع الشمس في صبيحتها حمراء ضعيفة لا شعاع لها، ومن جلالة هذه الليلة أنها ليلة التقدير السنوي فيفصل فيها ما في اللوح المحفوظ على صحائف الملائكة من أحداث الدنيا والوقائع العامة والخاصة التي تحصل في الكون للسنة القادمة، وكان السلف يتحرون إدراكها بعناية بالغة ويحرصون عليها حرصا شديدا، حيث تحراها النبي صلى الله عليه وسلم وحث صحابته على تحريها، وهي في العشر الأواخر قطعا، والغالب أنها في الأوتار، وقد تكون في الأشفاع، وهي في سبع بقين أو سبع يمضين أرجى، وكثيرا ما تكون في ليلة سبع وعشرين، خاصة إذا وافقت ليلة جمعة، والمشهور عند كثير من العلماء أنها تنتقل في الغالب وليست ثابتة في ليلة معينة في كل الأعوام».

خالد الغامدي - الحرم المكي



كمال النهايات

«تتجلى هبات الله وعفوه في رمضان شهر الفضائل والغفران فيه تضاعف الأعمال وتكفر الخطايا والآثام وفيه تفتح أبواب الرحمة والجنان وتصفد الشياطين وتغلق النيران، شهر الصيام والقرآن والبر والإحسان، وصلاة الليل من أفضل النوافل بعد المكتوبة والله أثنى على عباده المتقين، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن لزم القيام استحق الجنة بسلام قال عليه الصلاة والسلام «يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام»، ورمضان ميدان فسيح للمتسابقين، فيه يكثر البر وصلة الأرحام وتصفو النفوس وتزكو الأخلاق ويتقارب الخلق فيما بينهم ويعطف بعضهم على بعض، في موسم مبارك يشمر له المسلمون وترفع الدرجات، وفي هذه الليالي المباركة يستحب الإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن، وفي العشر يتحرى المسلمون ليلة القدر، وليلة القدر ليلة عظيمة ذات قدر وشرف أنزل الله فيها سورة تعظيما لقدرها وتشريفا لأمرها وإعلاء لشأنها فقال (وما أدراك ما ليلة القدر) جعلها مباركة كثيرة الخير (إنا أنزلناه في ليلة مباركة)، ومن بركتها نزول القرآن فيها (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، وخواتم الأعمال والعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات، فمن كان أول شهره منيبا وفي عمله مصيبا فليحكم البناء وليشكر الله على النعماء ولا يكن كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، ومن أساء فيما مضى فليتب فيما بقي فباب التوبة مفتوح وعطاء الله ممنوح».

عبدالمحسن القاسم - الحرم النبوي