حنان المرحبي

للصورة الاجتماعية ثمنها

السبت - 17 يونيو 2017

Sat - 17 Jun 2017

برهنت لنا وسائل التواصل الاجتماعي شغف الناس بسماع القصص ولو كانت حكايا «أو سواليف» عادية وعفوية من واقع حياة الناشطين اليومية، وقد لا يهم إن كانت خضعت لإعداد مسبق أو لم تخضع، فالمسألة أحيانا متعلقة بالشخص واهتمام الناس للقرب منه ومعرفة المزيد عنه. والغريب أنه قد يفقد أحدهم أعصابه لو علم أن أخاه فتح نوتة يومياته وقرأ منها سطرا، ولكن في أثناء تعاطيه مع وسائل التواصل تجده يكشف لمن يعرف ومن لا يعرف من الناس تفاصيل واسعة ومغرية، ليس فقط عن أفكاره واتجاهاته السياسية والاجتماعية، بل حتى صور للحظات يومه وديكور منزله والمزاج العام له وعائلته ونوعية أصدقائه.

وقبل انتشار الوسائل التي تعتمد على بث الصورة (كسناب شات والانستقرام)، كانت الأفكار والقصص تروى تحت أسماء مستعارة بالمنتديات والوسائل القائمة على الكتابة، فلم يكن المجتمع يتقبل ظهور الأفراد والبوح ولو كان منظوما في صورة أدبية منمقة، لكن اليوم اختلف الأمر وأصبحنا نشاهد تسامحا أكبر مع الناشطين والأفكار المختلفة وهي تطرح بعفوية تامة.

التواجد على منصات التواصل الاجتماعي لم يعد خيارا، بل ضرورة تحكمها الحاجة لتقديم أنفسنا وبناء سمعة جيدة لنا كمهنيين أو أصحاب أعمال ومؤسسات، ولكن هل نحن مستعدون بالإمكانيات «التحريرية» الكافية لتقديم أنفسنا بالشكل اللائق؟ فحساباتنا العامة على منصات التواصل هي منصات إعلامية مصغرة لنا، ينبغي أن نكون قادرين على التمييز بين القصص التي يجب أن تطرح والتي يجب ألا تطرح، وكيف يجب أن تصاغ قصصنا.

وهذه الأمور تثير تساؤلا محيرا: لماذا الخصوصية مهمة؟ وما هو الحد الذي يجب أن تتوقف عنده القصص كي لا تنعكس سلبا على أصحابها؟

ببسيط العبارة، نحن لا نستطيع أن نتحكم في فهم الآخرين ولا أحكامهم، والسلوك الذي تتخذه وتجد له عدة مبررات قد يختلف الشغوف بمتابعتك معك فيه، سواء أبدى ذلك لك أو لم يبد، أنت تقدم له قطعة معرفية عنك يفهمها كما يشاء ولن يسأل عن إيضاح. والأمر الأسوأ أن للبعض قدرات متفوقة على تقييم الشخصية وسماتها وعقليتها واستقرارها النفسي، وكل ذلك من خلال مشاهدة حديثك ويومياتك فقط. ولسنا جميعا قادرين على التنبؤ بما قد يترتب على سلوك عفوي أو من باب المزح نتخذه بحسن نية وكأننا بين إخواننا ثم نتفاجأ بأن هناك من جعل منه ملفا تعريفيا لنا. هذا على مستوى الأفراد، ماذا عن الصناعة التي قد تقوم على ملفات تعريف ونشاطات مستخدمي الانترنت وشبكات التواصل؟

يقول الكاتبان Tomas Chamorro-PremuzicNathalie Nahai: ليس من الصعب تخيل مستقبل تستخدم فيه تقييمات أوبر للمستخدمين كوسيلة للحكم على ذكائنا العاطفي أو Likeability أو تستخدم تفضيلاتنا على نتفليكس وSpotify للحكم على درجة انفتاحنا للتجارب أو شغفنا، أو تستخدم البيانات التاريخية بالأمازون لتقييم ما إذا كنا أشخاصا مندفعين ومتهورين، أو أشخاصا لديهم ضمير حي. أيضا قد تتحول تغريداتنا على تويتر، إعجاباتنا بالفيس بوك، والمواقع التي نزورها على الانترنت ونبرة أصواتنا إلى ملفات نفسية شاملة بتفاصيل وافية. المتاجرة بهذه البيانات عملية تتولاها بحرفية شركات التسويق. وشركات التأمين، والمؤسسات المالية كالبنوك والتوظيفية والقبولات جميعها مهتمة بالوصول إلى مثل هذه التفاصيل عنا كعملاء محتملين.

إننا ندفع ثمنا في مقابل الخدمات المجانية المتوفرة لنا، وهذا الثمن متمثل في الصورة الاجتماعية التي نندفع في رسمها بأذهان الآخرين عنا قبل التأكد من إمكاناتنا في الإخراج السليم.

hanan_almarhabi@