الإنسان.. فايز المالكي

السبت - 17 يونيو 2017

Sat - 17 Jun 2017



كنت قد تابعت الأعمال الفنية (الكوميدية) المبكرة للفنان فايز المالكي، والتي كانت مثار إعجاب ومتابعة الكثير من شرائح المجتمع وخاصة الشباب، إلا أني ولحسن الحظ، تعرفت على فايز المالكي الإنسان بشكل أكبر وعن قرب هذه المرة، وأتيحت لي الفرصة للالتقاء به مع الصديق المشترك الرائع الآخر الدكتور فهد مطر، وعملنا سويا في بعض الأفكار والمشاريع الإنسانية البسيطة قبل أربع سنوات، ومنذ ذلك الحين وأنا أتابع جميع نشاطاته في العمل الاجتماعي والإنساني.



لا أعرف كيف كانت البداية، إلا أني على يقين أنها لم تخضع لخطط أو رؤية محددة، بل إن المبادرات كانت وليدة اللحظة، ومع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، ولأنه أصبح من أوائل أصحاب الحسابات المليونية في تويتر، فقد سخر ذلك الحساب لخدمة الناس دون كلل أو ملل، لقد تعرفنا عبر حسابه على كثير من الحالات الطبية النادرة، والتي لم يتم تشخيصها أو التعامل معها كما ينبغي، كما أن الحالات الصحية المهملة في المجتمع تصل إلى الملايين من خلال تغريداته والتي يتم تدويرها أسرع بكثير من الروتين المعتاد لوزارة الصحة.



أدرك الناس بعد مرور الوقت أن الحالة الإنسانية الواضحة لا بد أن تمر عبر بوابة فايز المالكي قبل الذهاب إلى الوزارة المعنية، انهمرت آلاف التغريدات على حسابه تطالبه بأن يلقي الضوء على معاناة أيتام وأرامل يناشدون أهل الخير لمد يد العون لهم، أو حكايات متفرقة لعوائل فقيرة تسكن العراء في خيام بالية. كان عليه أن يقوم بفرز تلك الحالات ودراستها والتواصل معها للتأكد من صحتها، وهذا يتطلب الكثير من الجهد والبحث، ثم تبدأ مرحلة تبني هذه الحالة ونشرها والتواصل مع أهل الخير للتفاعل معها.



استمر العمل على هذا المنوال وربما بوتيرة أسرع، وفي نفس الوقت تسابقت الجمعيات الخيرية على الظفر بخدماته الجليلة حتى أصبح سفيرا لأكثر من عشرين جمعية، وهذا المنصب ليس فخريا، بل يتطلب الكثير من العمل، وذلك بحضور نشاطاتهم والتعريف بها والإعلان لحساباتهم للحصول على المزيد من التبرعات أو للتعريف بنشاطاتهم ونشر التوعية الصحية لبعض الجمعيات الطبية. كانت تلك الأحداث تجري بتسارع ولا يكاد يمضي أسبوع دون الإعلان عن مشاركة في نشاط أو حملة لإحدى الجمعيات في المملكة المترامية الأطراف.



الآن ونحن في شهر رمضان المبارك، لا يزال عطاء الإنسان فايز المالكي يتدفق ويأتي في أحلى وأبهى صوره، فقد تابعنا ومنذ اليوم الأول حملة (تراحم) للمساهمة في إطلاق سراح مساجين الحق الخاص، ممن تكالبت عليهم الديون، دون شروعهم في جرائم مالية أو سلوكية، وأصبحوا غير قادرين على الوفاء بها، حتى انتهى بهم المطاف خلف القضبان. انطلقت المبادرة وتنقلت في جميع أنحاء المملكة، كان حضوره ملهما لأهل الخير، إذ بالإضافة إلى تكبده لعناء السفر والترحال كان عليه أن يحث الناس على البذل والعطاء، فعل ذلك تارة بالمناشدة، وتارة باللوم على من تقاعس عن دوره خاصة البنوك الوطنية. لقد كان لكلماته ومداخلاته ولقاءاته المتلفزة بالغ الأثر في الحصول على الملايين من الريالات، والتي تم إعلانها للناس. العديد من العائلات أصبحت موعودة بالفرح، تترقب خروج ذويها قبل العيد لتكتمل الأفراح.



إن فايز المالكي الإنسان من أنبل رجال هذا العصر، وما قام به منفردا تعجز عن القيام به دوائر كبيرة ومنظمات وهيئات بموظفيها وبرامجها وأموالها. إن ما يمتلكه من مشاعر تجاه الفقراء والمعوزين ظل مقرونا بعمل دؤوب، وطاقة هائلة لا تعرف الكلل والملل، بل إنه غالبا ما ينسب الفضل لغيره.



ولأننا تعودنا ألا نقدر الناس حق قدرهم إلا بعد رحيلهم، فإنه يتحتم علينا جميعا ـ محبيه وأصدقاءه ـ القيام بالتفكير جديا بمبادرة هذه المرة من أجله وأجلنا، وهي أن ينتقل إلى العمل المؤسسي بإنشاء منظمة تحمل اسمه، تتيح لهذا العمل العظيم الاستمرار والنماء، فالرجل الأبرز تجسيدا للعمل الإنساني المدني في بلادنا والذي أعطى الكثير قادر على أن يبعث الإلهام في النفوس الخيرة المحبة للعطاء للسير في ركبه، ويستطيع توظيف الكثير للعمل معه، فهذه الأرض الطيبة التي أنجبته قادرة على أن تنجب الكثير من النبلاء القادرين على العطاء والبذل لأهلهم ولمجتمعاتهم. إن ما ينبغي علينا القيام به الآن هو ألا نهدر الكثير من الوقت لدراسة هذا الأمر، بل نبادر بالقيام به على الفور وقبل فوات الأوان.





temyatt@