شاهر النهاري

مغبات السياسة الروسية

الخميس - 15 يونيو 2017

Thu - 15 Jun 2017

تناقلت وكالات الأنباء عن الكرملين أن اتصالا هاتفيا جرى بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان، تناولا خلاله الأزمة القطرية.



لا أدري ولكني كلما سمعت سيرة روسيا، أصاب بضيق في الأنفاس، وعجز في الثقة بما تسعى إليه هذه الدولة، التي تمثل تاريخ الإمبراطورية القيصرية، ومنبع النظام الاشتراكي، وبقايا تهايل الاتحاد السوفيتي، لضبابية سياستها نحو الشرق الأوسط، ونحو العالم بصورة أشمل.



سيرة ندركها، فبعد تفكك الاتحاد السوفيتي تضاءلت قواها في الحرب الباردة، بعدما كانت قرين قوة أمريكا في كل الأرض، فينكمش بعدها الدب الروسي، ويشعر بأنه يدخل في مرحلة بيات شتوي طويل.



ولم لا وقد ساح الجليد، وتطاير الفرو، على شكل ولايات تساقطت عنها بكل ما تتميز به من نتاج اقتصادي، وشعوب وجيوش وتسلح وعلوم، فاضطرت لمحاربة بعضها، والتساهل مع البعض الآخر، وهي تتفجر بمشاعر القهر والندم.



وقد أجبرت حينها على سحب تعاونها مع كثير من دول الشرق الأوسط، والتي كانت قد أنشبت فيها مخالبها، لأنها تعلم أنها لن تكون الند المناسب بعد اليوم لدولة متفردة بالسيطرة.



الشرق الأوسط، الذي يعد المنجم الأعظم لدول السيطرة العالمية، فكل منها يحاول بسط هيمنته على أكبر وأسهل جزء فيه، ومهما كلفه ذلك من تخبط سياسي، ومواقف عدائية، وخيانات، ومخططات تسعى لمستقبل سمين لدولته، وهزيل مظلم للمنطقة.



وقد عادت الروح مؤخرا في الدب الروسي، بعد قيام ثورات ما سمي بالربيع العربي، حيث وجدت روسيا مرتعها، لأن حيرة حكم أوباما قد رفعت أيدي أمريكا عن مسار أحداث الشرق الأوسط، فاكتفى بعقد المعاهدات اللينة مع إيران، وترك الساحة شاغرة، متناسيا أصدقاء الأمس، وبذلك عادت روسيا بقوة وعاثت بالشرق الأوسط، ودخلت بكل قواها في مصر أثناء حكم الإخوان، وسرحت ومرحت في كوارث سوريا، بشكل براميل متفجرة علنية، فكأنها تشعر باستعادة مكانتها.



روسيا التي عرفت باستغلال الثغرات، وتضخيم الضئيل، ومحاولة مخادعة الكبير، لتظهر صورتها بالألوان، مع خشيتها من عودة أمريكا للساحة.



وهذا بالضبط ما حدث بعد تولي الرئيس ترمب للرئاسة، وتغير نهج التراخي الأمريكي، والعودة من خلال السعودية المحور الأقوى في الشرق الأوسط حاليا، فتشعر روسيا أن الوضع قد تبدل، وأن الفرائس لم تعد متاحة لها، وأنها لا بد أن تختبئ من جديد، لاقتناص فريسة طارفة.



روسيا الآن تتمركز في إيران، من خلال عملها مع حزب الله في سوريا، وهي بطمعها تبحث لها عن مكان رحيب في عزلة قطر، ولو أنها تعرف أن قاعدة العديد ستحد من أطماعها، ولكنها لا تستسلم، وتقوم بتبني قضية مظلومية قطر، وحصارها المزعوم، الذي يعرف العالم بأنه ضد الإرهاب، لا ضد الشعب.



روسيا لا عقيدة لها، ولا مبدأ غير التفرد بالطائش المارق، والمكروه، والمذنب، ووضعه تحت جناحها، لعلمها بربحها من مجرد إشعاره بعدالة قضيته، مهما كانت نواياه ونواياها مظلمة متردية، ومهما كانت ضد الإنسانية، ومحتضنة للإرهاب.



السياسة الروسية، فقدت وضوح وبياض الدب القطبي، وأصبحت ملطخة بالدماء وبألوان ضبع جائع، لم يعد يجد له بقايا جيفة كما سبق، بين السباع.



مما يستوجب التعامل معها بوعي وحذر واحترام للقيم والحدود والعهود.