الحرب مبدؤها كلام

الأربعاء - 14 يونيو 2017

Wed - 14 Jun 2017

جرت العادة أن أعطي رأيي في كل نقاش يدور في المجالس، وبغض النظر إن عرفت القليل أم الكثير عن الموضوع المطروح، فكلمة «لا أعرف» ليست في قاموسي، لأن اعتقادي أنه لا ملامة علي ما دام أنها وجهة نظر شخصية، وفي الأول والأخير الرأي لا يفرض بل يؤخذ ويترك. ومع توسع قنوات الاتصال وسهولة طرح الآراء فيها، استدركت أن الموضوع أصبح خطأ، بل خطرا جسيما.

في السابق، كنا نسمع تحاليل القضايا السياسية من باحث سياسي متمكن، والدروس والخطب الدينية من طالب علم متبحر، وكذلك في الأمور الاقتصادية والاجتماعية وحتى الصحية. أما الآن فنرى متسيدي الأطروحات والآراء في كل تلك القضايا هم أشخاص ثابتون لا يتغيرون بتغير الموضوع. فلا تخصص في الطرح، وبكل تأكيد لا علم كافيا وخلفية قوية متعلقة بكل تلك المواضيع.

أصبح ذلك خطرا لأنه مع سهولة طرح الرأي في الإعلام الجديد، تحول النقاش من وجهة نظر فردية في مجلس صغير إلى نشر فكرة أو رأي يقرؤه أو يشاهده الآلاف إن لم يكن الملايين من العامة.

هذه الآراء أصبحت لدى الكثير منا مصدرا للمعلومة، وأصبحت سببا في حراك الفكر وتحويلها إلى قضية رأي عام. لذلك علينا الحذر فيما نقول ولمن نقول ومتى نقول. الكلمة لم تصبح عابرة كما اعتدنا، بل أصبحت موثقة ومؤثرة، فلنتق الله فيما نقول فهو من أمرنا في كتابه المبين (ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)، وحذرنا بقوله (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) صدق الله العظيم.

إننا في هذا الوقت وفي أكثر من أي وقت مضى نحتاج أن نراجع أنفسنا قبل طرح أي رأي أو وجهة نظر في أي موضوع، فعلينا أن نتأكد من تبعات كلامنا، فإن كان خيرا فلا مانع من طرحه، أما إن كان غير ذلك فالصمت هو القرار الأحكم. ألم يوصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)؟ هذا قول أقوله وأنا مقتنع أنه ليس مصادرة للآراء بقدر ما هو نهج سأسعى أن انتهجه في حياتي، فلقد قرأت في الأثر قول أدركت أهميته متأخرا ألا وهو (ما ندمت على سكوتي مرة، ولكنني ندمت على الكلام مرارا).

قفلة: أذكر تغريدة لوالدي رحمه الله خطها بيده، وما زلت محتفظا بها، أرى أنها مناسبة لقفلة هذا المقال.

نص التغريدة: الوطن مسكن وإيواء وحماية، علينا أن نحافظ عليه ونذود عن كرامته، ولا نثير الفتن بين أهله، فالحريق أوله شرارة: «فإن النار بالعودين تذكى، وإن الحرب مبدؤها كلام».

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال