أحمد الهلالي

العوراء الدجالة!

الثلاثاء - 13 يونيو 2017

Tue - 13 Jun 2017

في العام 1996 أسست قطر قناة الجزيرة، المكونة من فلول الإعلاميين المسرحين بعيد انحلال القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية، فقامت القناة بمنحة من أمير قطر آنذاك قدرها 150 مليون ريال، واختطت مسارا جادا في الأخبار ومناقشة القضايا السياسية، وصناعة البرامج الوثائقية، مع حرص على اللغة العربية الفصحى، واختيار ألمع الإعلاميين، فسطعت الجزيرة عربيا، وسرعان ما قفزت أسهمها في تغطيتها لغزو أفغانستان والعراق، ساعدها في ذلك تقارب الدوحة مع حركات الإسلام السياسي والسلفية الجهادية الذين كانوا يزودونها بمواد إعلامية لا يزودون بها القنوات العالمية الأخرى، إلى درجة استعانتها بمراسلين، اعتقل بعضهم بتهم متعلقة بالإرهاب.



ثبتت الجزيرة كاميراتها خارج الحدود القطرية، فلا علاقة لها بالشأن الداخلي القطري مطلقا، ولا ترى فيها مذيعا أو محاورا من دولة قطر، سوى مصور أو مذيع أخبار الطقس أو الرياضة، فقد جندت كل قوتها الإعلامية الجبارة في نبش ملفات الدول العربية الحساسة، واستمرت في دغدغة عواطف الشعوب، وتسويق شعارات الحرية والديمقراطية والحقوق، من عاصمة لا تؤمن بكل هذه الشعارات، فلم يبق بلد عربي لم تتدخل الجزيرة في شؤونه الداخلية، وتفتح أحضانها لمواطنيه الهاربين أو المنشقين أو الثائرين عليه، حتى ملأت قلوب الكثيرين حنقا وحقدا على حكوماتهم، وعلى مستوى التجربة الشخصية لم أشعر بالسلام الروحي تجاه وطني إلا بعد أن أقلعت عن متابعة هذه القناة (السيئة)، ولعلنا نتذكر حرص الجزيرة على تلميع صورة الزعيم الليبي معمر القذافي وسعادتها بخلافه مع السعودية، وتقديمه على أنه أحكم حكام العرب، وحين استطاعت تأليب الداخل الليبي عليه، كانت الجزيرة ألد خصومه، والمتابع في غنى عن ذكر تفاصيل الدور القطري هناك إلى اليوم.



رهان قطر على الشعوب (كاذب)، فليس إلا واجهة لخدمة طموحات حصان طروادة (الإخوان المسلمين)، فانتشارهم في كل الدول العربية والإسلامية، واستكانتهم للحكومة القطرية الداعمة بالمال والإعلام، تناسب عقدة النقص التي يشعر بها الأمير، ويظن أنه سيملكهم بما يقدم من خدمات، فلا تدري اليوم من يتحكم بالآخر، هل أموال القطريين تتحكم بالإخوان، أم إن الفكر الإخواني تمكن من الحكومة القطرية حتى باتت السلفية خصمها الأول؟، فقناة الجزيرة سرعان ما تحولت بعد ثورة 30 يونيو المصرية إلى قناة إخوانية يديرها المرشد بامتياز، لكن ما أعلمه أن قطر ستكون ضحية سياساتها الخرقاء على يد الإخوان، الذين تبيح لهم غاية الوصول إلى السلطة استخدام كافة الوسائل بما فيها التضحية بقطر.



كشفت السعودية مخططات الجزيرة من فترة مبكرة، ومنعت جميع شركاتها من الإعلان عبرها، فتعثرت ماليا، لكن الأمير دعمها لأنها القلم الذي يرسم طموحاته المرضية، واستمرت في نفث سمومها باللغتين العربية والإنجليزية، لكنها هرمت في أعين المتابعين، فالسياسات مكشوفة، ولا خطط بديلة لاستعادة المصداقية التي توسمها المتابع العربي، وها هي تعاني في عزلتها، وستصبح كأي قناة إخوانية أخرى، لا تستحوذ إلا على اهتمام أتباع التيار (الإخواني)، وعلى تلقي خلايا الإرهاب للرسائل المشفرة التي يبثها قادة التنظيمات وأمراء الجماعات عبر القناة، والمتابعون اليوم يسخرون من كم الخوار الذي تبثه الجزيرة عن الحزم الخليجي تجاه الحكومة القطرية الخائنة، ولا يؤثر إلا في مذيعيه وأزلام الخبث والنفاق.



ولكي نعلم سعة صدر السعودية، وتشخيصها المبكر للحالة المرضية التي يعاني منها أمير قطر المنقلب، وإنشائه الجزيرة لخدمتها، فإننا نتذكر قول الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد: «هكذا نقدر نقول إن الجزيرة.. دولة مغمورة صغيرة.. كبرت وصارت قناة».



ahmad_helali@