قرار التحكيم نهائي ونافذ

الاثنين - 12 يونيو 2017

Mon - 12 Jun 2017

التحكيم التجاري له مميزات عديدة، من ضمنها سرعة الفصل في القضايا التي تعرض للتحكيم، والحفاظ على الأسرار التجارية، لأن الإجراءات تتم بعيدا عن الآخرين وفي سرية تامة، ومن المميزات أيضا أن القرارات/ الأحكام التي تصدر من المحكم الفرد أو هيئة التحكيم تعتبر نهائية ونافذة بقوة القانون. وإذا انعدم هذا الشرط الخاص بنهائية ونفاذ فلا يبقى هناك مبرر لانتهاج طريق التحكيم لتسوية المنازعات بين الأطراف المتنازعة.

وبموجب القانون، فإن التحكيم يسير إلى نهاياته حتي بلوغ مرحلة إصدار القرار النهائي في خلال الفترة المحددة لذلك، وبعد ذلك تبدأ إجراءات تنفيذ الحكم تحت بصر وسمع القانون ووفق الإجراءات التي يتضمنها القانون. وبموجب هذه الإجراءات يمنح القانون كل القوة القانونية اللازمة والمطلوبة للتحكيم، وذلك بصفته قضاء «خاصا» اختار أطراف النزاع، وبإرادتهم الحرة التامة، اللجوء إليه لتسوية النزاع فيما بينهما.

ونهائية ونفاذ قرار التحكيم النهائي، يعتبران من الأساسيات في فلسفة التحكيم كأحد البدائل التي يتم اللجوء إليها لتسوية المنازعات. وقرار التحكيم النهائي، يعتبر في مرتبة الحكم القضائي الصادر من المحاكم القضائية المختصة، ولذا فإنه يعامل نفس المعاملة ويتم تنفيذه حتى لو تم الأمر عبر القوة الجبرية الضرورية. ومن هذا الوضع القانوني القوي، يجد التحكيم كل السند والدفع القوي وللدرجة التي تمكنه من الوصول لغاياته النهائية في تحقيق العدالة الناجزة.

بالطبع أيضا، فإن الأحكام التي تصدر من المحاكم القضائية وبعد انتهاء فترة الاستئناف تعتبر نهائية وقابلة للتنفيذ. ووفق الإجراءات القانونية، فهناك تسلسل لإصدار الأحكام القضائية من المحكمة الأولية ذات الاختصاص إلى محكمة الاستئناف وإلى المحكمة العليا (النقض).. وبعد مرور الحكم القضائي عبر هذا التسلسل، يعتبر الحكم نهائيا وقابلا للتنفيذ.

ولكن سير الإجراءات وفق قوانين التحكيم لا يسير على نفس هذا النهج والتسلسل القضائي، وذلك لأن فلسفة التحكيم تقوم أساسا على سرعة الفصل في النزاع وفي خلال فترة زمنية محددة سلفا في القانون، ما لم يتم زيادتها باتفاق الأطراف أو لظروف أخري ملحة. ونظرا لهذا الزمن المحدد، يلجأ أطراف النزاع للتحكيم والابتعاد عن طريق المحاكم حتى تتم تسوية نزاعهم في خلال فترة قصيرة ووجيزة تشعرهم بحلاوة طعم العدالة الناجزة.

ولكن بالرغم من أن قرار التحكيم يعتبر قرارا نهائيا ونافذا بعد صدوره من المحكم الفرد أو هيئة التحكيم، إلا أن هناك حالات معينة يجوز فيها التقدم بالطعن لنقض الحكم وبطلانه. ولا بد من القول إن الحالات التي يجوز فيها التقدم بالطعن لنقض حكم التحكيم وبطلانه، مذكورة ومبينة في قوانين التحكيم. وهذا يعني أن القانون يحصر الحالات التي يجوز فيها التقدم بالطعن لنقض حكم التحكيم وبطلانه، وإذا لم تتوفر إحدى هذه الحالات فإن قرار التحكيم يعتبر نهائيا ونافذا، أي غير قابل للطعن بالنقض والبطلان.

من الحالات الهامة التي يجوز فيها الطعن بالنقض لحكم التحكيم، حالة صدور الحكم بعد فوات الفترة الزمنية المحددة. فإذا صدر الحكم بعد فوات المدة الزمنية المقررة فإن هذا الحكم يطعن فيه بالنقض ويصبح في حكم البطلان وعديم الفائدة، نظرا لأن التحكيم أساسا يقوم على سرعة الفصل في النزاع ويجب التقيد التام بالفترة الزمنية المحددة وإلا انهار التحكيم.

من الحالات الهامة أيضا، إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع أو استبعد أي نقاط جوهرية في عقد التحكيم لأن التحكيم إرادة الأطراف. أو إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف لاتفاق الطرفين أو مخالف للقانون خاصة فيما يتعلق بمبدأ حياد واستقلال المحكم. أو إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق، ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له، فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها.. وغيره.

وكما بينا أعلاه، فإن حكم التحكيم يعتبر نهائيا وقابلا للتنفيذ، وهذا لحماية التحكيم ومنحه القوة القانونية الضرورية. ولكن، هذا الحكم ووفق حالات معينة يجوز الطعن فيه بالنقض للبطلان، وفي هذا أيضا حماية للتحكيم ووضعه في منزلة بعيدة عن الشبهات أو تجاوز القانون والعقود. ومن كل هذه الضمانات المتعددة تتطور صناعة التحكيم وتخدم العدالة الناجزة.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال