لست شجرة

الجمعة - 09 يونيو 2017

Fri - 09 Jun 2017

لماذا شجرة؟ مما يميز الأشجار أن لها جذورا تضرب في أعماق الأرض فتجعلها واقفة بثبات وشموخ في وجه الرياح العاتية، صامدة لا يهتز منها إلا أغصانها العالية. وأحيانا إذا اشتدت عليها الرياح القوية كسرت جذعها فسقطت عارية.

الشجرة تتصف بالسكون وعدم الحركة، فأينما تقع بذرتها التي حملتها الرياح تنمو ويحكم عليها بالعيش في هذا المكان، أحبت ذلك أم أبت.

قد يتكئ عليها شخص ما فلا تملك اعتراضا، وقد يعمد آخر إلى قطعها أو إشعال النار فيها فلا تملك منعه من غايته، إلى أن يمر عمرها فهي بدون حول ولا قوة.

فهل أنت تعيش حياتك كشجرة؟ لا يجدر بك ذلك فأنت لست شجرة يتحكم في مصيرها من شاء، أنت كائن آخر اصطفاه الله من بين جميع مخلوقاته، وأنعم عليه بعقل وإدراك، وفرض له حقوقا، وحدد عليه واجبات نحو نفسه ونحو دينه وأسرته ومجتمعه، ونحو وطنه أيضا، وتجاه البشرية جمعاء، ومنحه القدرة على الاختيار فيما يعلم من شؤون الحياة، وجعله مسيرا فيما لا يعلم منها، ومنحه القدرة على تحمل التكاليف، وأعفاه من المسؤولية ما لا يقدر عليه منها، فقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها). لكن ذلك لا يعني تخليه عن المحاولة إن وجد في التكليف مشقة حتى ليظن أن المهمة مستحيلة.

ماذا علينا أن نفهم إذن من عبارة: أنت لست شجرة؟

نفهم أن الإنسان يملك عقلا به يفكر ويختار ويبدع ويبتكر. وإذا ألزمته الحياة أن يستقر في مكان وتقطعت به السبل أن يمشي في مناكب الأرض. يستطيع أن يستشعر رحمة الخالق به. إن الله وهب لعقلنا كبشر قدرة عجيبة وهي أنه لا يفرق بين الخيال والحقيقة، فإفرازات الجسم هي نفسها حين يتعرض الإنسان لمواقف معينة، أو يتخيلها.

تخيل معي الآن أنك قمت بقطع ليمونة إلى نصفين وأنك شرعت في عصر أحد النصفين منها في فمك. ماذا يحدث؟ سوف يستجيب العقل لهذا التخيل وسوف يتمثل المشهد كاملا فيصدر أمره لحليمات خاصة في الفم بإفراز اللعاب وكأنك فعلتها حقيقة.

هذه أسرع طريقة لاستنتاج حقيقة تفاعل العقل مع الخيال كتفاعله مع الحقيقة. قال ابن تيمية رحمه الله في سجنه: ما يفعل بي أعدائي؟ جنتي وبستاني في صدري، سجني خلوة، وقتلي شهادة، ونفيي سياحة. أرى في هذا المثال أقوى التجارب الحقيقية التي توضح قدرة الإنسان في توجيه أفكاره فيما يريد، فنحن نختار بوعي أو بغير وعي أن نعيش في الجنة أم في النار ونحن فوق الأرض.

لقد كشف ابن تيمية عن حقيقة عجيبة وهبها الله للإنسان العارف، وهي أن جنته في صدره وليست في مكان آخر. فهو إن أغلق عينيه وهام في أعماق ذاته وأقنع نفسه بأن كل شيء على ما يرام، وتخيل نفسه سعيدا وفي أحسن أحواله، فإنه بذلك يخرج نفسه من دائرة أزماته ولو للحظات قصيرة قد تكون كفيلة ليتجاوب جسمه فيفرز هرمونات تريحه من آثار التوتر.

أنا لا أزعم أن هذه الطريقة سوف تحل المشاكل تماما لكنها على الأقل تساهم بشكل ما في ذلك لأنها تعطي مجالا للعقل أن يستريح فيحصل بعد ذلك على صفاء ذهني يمكنه به أن يجد حلا للموقف غير المرغوب به. كما يقول العالم ألبرت أنشتاين «لا نستطيع حل مشكلة باستعمال نفس التفكير الذي خلق المشكلة».

نحن نعرف يقينا أن الظن محله القلب الذي يتجاوب مباشرة مع تحاليل العقل للمواقف المختلفة التي تحيط بالإنسان. مما يجدر بنا أن نكون متفائلين بالخير في كل حالاتنا ليستجيب جسمنا مع هذه الطاقة الإيجابية، وليتمثل قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: تفاءلوا بالخير تجدوه.