الصناديق السيادية بين التشاؤم والتفاؤل

الخميس - 08 يونيو 2017

Thu - 08 Jun 2017

في البداية يعرف الصندوق السيادي بأنه كيان يدير الفوائض المالية من أجل استثمارها لتحقيق أعلى عائد.

وأول صندوق سيادي في العالم أنشأته دولة الكويت عام 1953، أي أن فكرة هذه الصناديق عربية بامتياز وبعد ذلك انتشرت بشكل كبير في العالم، ففي عام 1969 كان عددها ثلاثة صناديق فقط، ثم 21 صندوقا عام 1999، وارتفع عددها ليصل إلى 44 صندوقا حاليا، واستحوذت تلك الصناديق على حصص في مؤسسات عملاقة مثل مورجان ستانلي وبير ستيرن وميريل لينش وسيتي جروب.

وبلغت حصة السعودية من ثروات العالم السيادية، بنهاية فبراير الماضي، إلى 9.94%، وقدرت بـ736.3 مليار دولار أي 2.76 تريليون ريال بحسب موقع العربية نت، وتقدر قيمة الصناديق الخليجية بنحو 2.966 تريليون دولار بنسبة 40% من إجمالي أصول صناديق الثروة السيادية في العالم المقدرة بـ 7.423 تريليونات دولار، وقد جاءت أربع دول خليجية في مقدمة أكبر 20 صندوقا للثروات السيادية في عام 2016 وهي السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت، ويتم استثمار معظم أموال هذه الصناديق في السندات الأمريكية والأوروبية، رغم قلة عوائدها، لأنها قليلة المخاطر لقوة اقتصاديات تلك الدول، وعلى الرغم من ذلك تعرضت الصناديق السيادية لخسائر كبيرة في أزمة الرهن العقاري بأمريكا سنة 2008 قدرت بـ400 مليار دولار حسب ما ذكرته مجلة الإيكونيميست.

وتكمن مشكلة استثمار الصناديق السيادية في السندات والعقارات طويلة الأجل في أنه يصعب تسييلها عند الطلب العاجل لأي ظرف، ولهذا لجأت بعض الدول مع انخفاض أسعار النفط لما يقارب الـ50 دولارا إلى الاقتراض بدلا عن السحب من هذه الصناديق، ومن الممكن التغلب على هذه الإشكالية من خلال تنويع المحفظة الاستثمارية لتسهيل تسييل الأموال عند الحاجة بأسرع وقت، لكن يبقى الاستثمار في الصناديق السيادية لم يستغل بالشكل الذي يجعله مصدر دخل ثابت تعتمد عليه دول الخليج في إعداد ميزانياتها، وسد العجز في حالة انخفاض إيرادات الدولة.

ومن الضروري الحذر وعدم الاكتفاء بإنشاء صندوق سيادي واحد أو الاستثمار بشكل كبير في دولة واحدة –لا يجب أن نضع البيض كاملا في سلة واحدة- لأن مثل هذا الأسلوب يعد مخاطرة كبرى، خاصة إذا كان هذا الصندوق يتعلق بمستقبل وطن يبلغ عدد سكانه 30 مليون نسمة، ولنا عبرة ودرس في شركات وبنوك كبرى انهارت في الدول المتقدمة نتيجة لأزمة الرهن العقاري بأمريكا عام (2008) مما أدى لخسارة الصناديق السيادية مبالغ هائلة كما ذكرنا سابقا، ولك أن تعلم أن الاستثمار الخارجي له مخاطر كثيره، فمن الممكن أن يتم تجميد هذه الأموال بسبب الخلافات السياسية مع الغرب حول بعض القضايا السياسية أو بالأصح عدم الرضوخ للضغوط، ناهيك عن وجود بعض التهم المعلبة والجاهزة مثل تهمة الإرهاب والتي يمكن أن تلصق بالأفراد والمؤسسات والدول.

إن بعض الخبراء الاقتصاديين ينتقدون دور الصناديق السيادية في الاستثمار في الخارج، لأن لها دور كبير في إنقاذ الشركات المفلسة لتحقيق عائد مادي كبير، ومن ثم إنقاذ العمالة الغربية من البطالة، في حين تجاهلها الشركات والمصانع الوطنية التي تعلن إفلاسها دون أي مساعدة، أليس من الأولى بالصناديق السيادية الوطنية أن تستثمر أموالها في الداخل وتعمل على شراء المصانع والشركات المفلسة بثمن بخس ومن ثم إعادة تقويمها وتطويرها ورفع جاهزيتها وإنتاجها، وفي نفس الوقت تكون حماية للمواطنين من البطالة، وعليه لا بد من تعزيز هذه الصناديق الاستثمارية وجعلها أقوى وأقدر من خلال الاستثمار الداخلي والخارجي معا، على الأقل إن حدث تجميد للأموال لأي سبب تكون الخسائر أقل «نصف العمى ولا العمى كله».

وأخيرا يجب أن أؤكد أن الاستثمار لا بد أن يعتمد على التفاؤل والتشاؤم فلكل منهما ميزة، فالتشاؤم يقود إلى الحذر، والتفاؤل يقود إلى الإقدام، والاثنان معا يمنعان من التهور والاستعجال، وهذا الأسلوب يجب أن يتبع في كل الأمور المصيرية التي يترتب على التساهل بها عواقب مصيرية، خاصة في المجال الاقتصادي الذي يؤثر على المجال السياسي والعسكري وكل المجالات، ولا بد من تقييم أداء هذه الصناديق بصورة دورية بحيث نعظم الإيجابيات، ونحد من السلبيات إن وجدت. والاستفادة من تجارب الصناديق السيادية الناجحة.