عبدالله محمد الشهراني

في المدينة يتلاشى عناء السفر

الخميس - 08 يونيو 2017

Thu - 08 Jun 2017

في الآونة الأخيرة، ولله الحمد والمنة، أصبحت أسافر على درجة الأعمال في أغلب الأحيان.



صالة انتظار في المطار بها جميع الخدمات، والأهم مقعد كبير ومريح في الطائرة يتمدد ليصبح على شكل سرير يساعدك على الاسترخاء والنوم طوال فترة الرحلة، وشاشة كبيرة وقائمة طعام شهي ولذيذ، كل هذا النعيم لا يمكنه إلغاء عناء السفر.



كنت أحدث نفسي وأنا مستلق على سرير الفندق بعد رحلة طويلة شعرت فيها بالتعب والإرهاق «هذا وأنا شاب مستلق على ظهري طوال الرحلة!، فكيف بذلك الإنسان العجوز الفقير الذي غادر قريته متجها إلى البقاع المقدسة في رحلة طويلة تصل مدتها إلى ثلاثة أيام».



تبدأ القصة بعد أن تبيع تلك السيدة العجوز بقرتها أو يخرج ذلك الشيخ الكبير كل ما ادخره، لتأمين مصاريف العمرة أو الحج، فيدخل في دوامة الإجراءات والطلبات الرسمية (استخراج جواز، طلب إصدار تأشيرة، التعاقد مع شركة.. إلخ)، ويأتي موعد الرحلة إلى الديار الطاهرة وتبدأ لحظات الوداع بين حفيد وجدة وبنت وأب، فيصعدون تلك السيارة الصغيرة مغادرين القرية في اتجاه العاصمة أو أقرب مدينة، ثم يبقون منتظرين في المدينة فترة من الزمن ليست بالقصيرة حتى يحين موعد إقلاع الطائرة المتجهة إلى جدة أو المدينة المنورة.



يصعد الجميع وقلوب موظفي المطار وملاحي الطائرة تحفهم بالحب والرعاية، رحلة طويلة داخل الطائرة تزيد في بعض الأحيان على 12 ساعة، بعدها تصل الطائرة وينزل الركاب في منظر مهيب وفي غاية الروحانية، ويقوم البعض منهم بفعل تقشعر له الأبدان وتدمع له العيون بعد نزولهم مباشرة من الطائرة، إذ يقبلون الأرض أو يسجدون (لا أعلم)، كل الذي أعرفه أنهم فرحون بالوصول، وتلك طريقة تعبيرهم عن ذلك الفرح.



ونرى الاستقبال الحافل من موظفي المطار مرحبين ومهللين، ولا سيما أهل المدينة المنورة، الذين يستقبلون الحجاج والمعتمرين في العادة بنشيد «طلع البدر علينا»، في منظر لا يستطيع من رآه أن يحبس دموعه، فيذهب عناء السفر وتحضر الابتسامة والرضا. وعند مغادرة أولئك الزوار الكرام للبقاع الطاهرة ترى بعضا منهم في الحرم المكي الشريف، يغادرون ووجوههم للكعبة المشرفة احتراما وتقديرا للمكان وشوقا وحبا لتلك اللحظات. وبذات الحفاوة والابتسامة وحسن التعامل يقابلهم موظفو مطار المدينة المنورة عند مغادرتهم أرضها الطيبة.



هذا النوع من الاستقبال والتوديع في مطار المدينة المنورة يفوق مرتبة الاحترافية، إن هذه الوفود «ضيوف الرحمن» في حاجة ماسة لكلمة لطيفة تخرج من وجه مبتسم، ويد حنونة تمسح على أكتافهم وتعينهم، وكما قال سيد أهل المدينة عليه أفضل الصلاة والسلام «السفر قطعة من العذاب»، فلنهون عليهم هذا العذاب من خلال تطوير الأنظمة والإجراءات في السفارات والمطارات، بحيث تصبح أقصر وقتا مما تستغرقه الآن، وأكثر راحة وسهولة لضيوف بيت الله، ولنستشعر الأجر والمثوبة من الله على هذا العمل، ولنجتهد في وضع آلية سهلة وسريعة لاستخراج التأشيرات التي تتناسب مع جميع الأعمار، ولنعمل على تقصير مدة الانتظار أثناء المغادرة وعند الوصول، ولنقدم لهم كل سبل الراحة داخل الطائرة.



ختاما.. أنا فخور بكل تلك اللمسات الإنسانية التي نراها في مطار المدينة المنورة، وكم أتمنى أن تستنسخ هذه المبادرات ونراها في مطار الملك عبدالعزيز بجدة، وليس ذلك إنقاصا من حق إخواننا وزملائنا في مطار جدة، لكن العين ترى والعقل يحكم، وإن إمكانية الارتقاء بالخدمة والمنافسة لا حدود لها، ولا شيء أجمل من أن تكون المنافسة في رضا حجاج بيت الله.



شكرا لكل من استشعر المسؤولية والأجر.

شكرا لكل من رفع عن ضيوف الرحمن عذاب وعناء السفر.



ALSHAHRANI_1400@