أحمد الهلالي

كن شاعرا مدهشا!

الاحد - 04 يونيو 2017

Sun - 04 Jun 2017

منذ ظهرت القصيدة العربية القديمة، والشعر ميدان رحب لكل الأصوات، فهو موهبة كغيره من الفنون الإبداعية، لا يمكن تلقينه ولا تعليمه، فإن لم يملك الإنسان هذا الحس، فمهما دربته على أن يكون شاعرا فلن يستطيع، فمن لم يهبه الله موهبة الرسم أو لعب كرة القدم، أو الغناء، فلا يمكن أن يصل مرحلة الإبداع فيها، ولا يمكن أن تتقبله الذائقة كمبدع يفرض نفسه، وحكاية فرض النفس تتجلى فيمن يسمون اليوم (الأدعياء)، وفي مجال الشعر يطلقون عليهم (المتشيعرين)، وهؤلاء لا تخصهم المقالة.



ولأن الشعر موهبة بالأساس، تعضدها الدربة والثقافة واتقاد الحس، فإن له درجات وطبقات كما صنف المفضل الضبي وابن سلام الجمحي، وغيرهما من أصحاب المختارات، ولا عيب أن تكون المفاضلات بين المبدعين، فلا يعني وجود (المتنبي أو نزار أو الثبيتي) اختفاء كل الشعراء، بل لكل شاعر منزلته، وله خصيصة ربما يفوق في تكثيرها الفحول.



دعاني إلى كتابة هذه المقالة أن نفرا من المتلقين حين يقف بين أيديهم شاعر مبتدئ، يقارنونه برموز الشعر العربي، وكأن الفضاء يضيق عن هذا الإنسان الذي يحاول السير بتجربته، لذلك ترى اليوم كثيرا من الشعراء الشباب يترددون في إلقاء شعرهم في العديد من الأماكن، خشية هؤلاء النفر المترصدين، وكان الأجدر والأجدى أن يتحسسوا تجربته، فإن شعروا بأصالتها وتلمسوا إبداعا فيما يلقيه الشاعر، فعليهم أن يثجوا على شعوره ماء الثناء ليزهر وتثمر تجربته مع الأيام، أما إن كان من الأدعياء فمهما كان ثناؤهم أو نقدهم فهو لا يحسه؛ لأنه أقنع نفسه أنه (الشاعر)، وأن المثني متزلف، والناقد حاسد.



من جهة ثانية، يجب أن يتنبه الشعراء الشباب، خاصة أولئك الذين يملكون الموهبة لكنهم لا يعرفون الطريق، فيكتبون أشعارا في قوالب بالية، وبتعبيرات وصور مستهلكة، أو يتبنون لونا شعريا ويعادون الألوان الأخرى، فكل هذه الطرق لا تصقل الموهبة، بل تحجّمها وتحدها بحدود فرضوها على إبداعاتهم، لذلك فالقصيدة الحديثة تتجاوز اليوم إلى تقنيات تختلف عن قصيدة الأمس، وتنزع إلى عوالم شعرية مختلفة، إذ لا يمكن أن تصفق الذائقة اليوم لقصيدة لا تخلق الدهشة، ولا تحلق بالخيال، من خلال تقنيات الإيحاء والرمز بأنواعه وجدة الصور والتوظيف والاستدعاء والتكثيف والعناية باللفظ ودلالاته، فالشاعر الذي يصف وجه محبوبته (بالقمر أو بالغزال) مثلا، على الطريقة السائدة لن يدهش المتلقي، ولن يجتذب اهتمامه.



وعلى كل حال أخي الشاعر الشاب، أنت قائد تجربتك، وإن لم تتعهدها بالنظر والتطوير والتحسين ستظل في دائرة لا تجوزها، فاقرأ وتأمل وعبر، ولا يكن الضوء جاذبا لك، فغالبا ما يكون محرقة، خاصة حين تشعر برغبة ملحة في نشر نتاجك دون إعادة النظر تلو النظر، فتقع فيما يقع فيه الكثيرون اليوم من إحباطات وتباريح نفسية مرهقة.