صناع الأمل

السبت - 03 يونيو 2017

Sat - 03 Jun 2017

المجتمع العربي يعيش الصراع والحروب ويشهد مرحلة الضياع والمخاض العسير لثورات الكرامة، وما نتج عنها من خلل في القيم والمفاهيم، وفي مرحلة تخللها انهيار الكثير من الرموز والمؤسسات ينتاب الإنسان العربي حالة من الإحباط والاستسلام ويسود مناخ عام لا يبعث على الأمل، في هذه العتمة يبرز شبان حالمون، يسعون لخلق فرص للعطاء وفتح نوافذ جديدة للإبداع والابتكار وصناعة الأمل.



لقد تابعت مثل الكثيرين مبادرة صناع الأمل التي أطلقتها إمارة دبي (قرطبة هذا الزمن)، حيث أتيحت الفرصة للشباب العربي لتقديم مبادراتهم الفردية للنهوض بالمجتمعات في شتى المجالات التنموية. كانت المبادرات كثيرة ومن كافة أقطار الوطن العربي، بلغ عدد المشاركين أكثر من 65 ألفا تمحورت مبادراتهم حول الاستثمار في بناء الإنسان وتمكينه ومد يد العون لأشقائهم الذين تعثرت بهم السبل، كانت التجارب من الثراء والتنوع إلى حد الإبهار.



ولو تأملنا المبادرات الخمس التي وصلت المرحلة النهائية للفوز بالجائزة المالية والتي رصد لها مليون درهم، لأدركنا وللوهلة الأولى أهمية ما قام به هؤلاء المرشحون الذين تنوعت نشاطاتهم وتجاربهم، قد يصعب على البعض ترشيح الفائز فما إن تستمع إلى حكاية أحدهم والتي يرافقها عرض احترافي مصور لما قام به حتى تكاد تجزم أنه لا مثيل لهذا العمل، وما إن تنتقل إلى المرشح الآخر حتى تصاب بالدهشة، ربما أن تلك الحيرة وحالة الانبهار التي شعر بها الحضور بمن فيهم صاحب المبادرة الشيخ محمد بن راشد، هي السبب بإعلان منح كل منهم مليون درهم في اللحظة الأخيرة.



كانت تجربة المغربية نوال الصوفي والتي حصلت على اللقب ملهمة ومبهرة وتستحق أن تروى وتنقل للأجيال، فالفتاة المغربية الأصل ذات الـ28 ربيعا والمولودة في صقلية لمهاجرين مغربيين، بدأت العمل الإنساني التطوعي لمساعدة السوريين منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة فقد استطاعت وبمجهود فردي من جمع الكثير من الأدوية والمستلزمات الطبية عبر مرورها على الصيدليات والمستشفيات في صقلية، وبمساعدة معارفها العاملين في الحقل الطبي، قامت بجمعها وتخزينها في غرفتها، في الوقت الذي كانت تبحث فيه عمن يستطيع إيصالها إلى حمص في محاولة اعتبرها البعض ضربا من الجنون إلا أنها استطاعت أن تنجز هذا العمل وسافرت برفقة الحملة إلى تركيا، ومنها إلى حلب عبر طرق صعبة وخطرة، بعد تلك المغامرة تعرفت بشكل واضح على مأساة السوريين، وما إن بدأت موجة الهجرة عبر البحر إلى أوروبا وتحديدا إلى الشواطئ الإيطالية حتى برز دور (الملاك نوال) حيث ساهمت بإنقاذ آلاف السوريين المهددين بالموت غرقا في عرض البحر، في الوقت الذي تخاذل فيه المجتمع الدولي أمام كارثة إنسانية لم تشهد البشرية مثيلا لها في هذا العصر.



كانت قوارب الموت تحمل أكثر من حمولتها عدة أضعاف، تنقل ما يتراوح بين 400 إلى 800 راكب معظمهم نساء وأطفال، ويحدث أن يتعطل المحرك، ثم يختفي المهرب بعد أن يستلم أجره، ويتسلل الماء إلى داخل القارب المطاطي، يصبح الموت وشيكا ويتعذر اتصالهم بالأرقام التي بحوزتهم لخفر السواحل الإيطالي أو يصعب التخاطب معهم لاختلاف لغتهم، وهنا يبرز دور نوال التي أصبح رقمها متاحا لهم يستنجدون بها في كل وقت وتبدأ على الفور التواصل مع خفر السواحل الذي يقوم بالبحث عنهم، وفي عتمة الليل وفي عرض البحر وبين أمواجه، وفِي اللحظة التي يصلهم ضوء بارجة الإنقاذ، فإن أصواتهم تعود مجددا عبر هاتفها الصغير فرحا وبهجة، وامتنانا عظيما لما قامت به من جهد لساعات متواصلة أعادت لهم الأمل مجددا بالحياة.



ورغم أن القانون الإيطالي يجرم من يساعد على محاولة الهجرة السرية، إلا أنها تفعل ذلك بكثير من الدهاء والمغامرة، أجبرت وفي مرات عديدة على أن تبين لمنتقديها أن دورها يقتصر على الإخطار والتواصل لنجدتهم قبل أن تبتلعهم أمواج البحر كما حدث للآلاف قبلهم. وحين يصل هؤلاء المهاجرون شواطئ الجزيرة فإنها تستقبلهم وتجنبهم جشع واحتيال مهربي الهجرة، بل تقوم بشرح الوثائق والنماذج المطلوبة للتقدم بطلب الهجرة، تفعل ذلك طوعا دون أجر وبكثير من السعادة.



وإذا كنا نعيش الآن عالما متغيرا ركيزته الأساسية الاقتصاد والمصالح وليست المبادئ والقيم الإنسانية، فإن ما قامت به نوال الصوفي ورفاقها الأربعة (صناع الأمل) من تجارب مبهرة وملهمة تجسد القيمة الحقيقية للإنسان والتي تتمثل في قدرته على البذل والعطاء لمجتمعه وللبشرية على حد سواء، لا بد من الإشارة أيضا إلى أن مثل هذه المبادرات تستحق أن ترى النور وتصل إلى الملايين من الشباب في عالمنا العربي من أجل استعادة الأمل في أمتنا العظيمة التي كانت حضارتها في عهدها الزاهر ملهمة لكافة الأمم.