حنان المرحبي

النشر والمصداقية

الجمعة - 02 يونيو 2017

Fri - 02 Jun 2017

كلما ارتفعت معرفة الإنسان أصبح الشك في نفسه أعلى وأصبحت القدرة على التعبير مسألة تتطلب جرأة أكبر. يدرك الكاتب والمتحدث أهمية المصداقية في أقواله وأفعاله، ويدرك أثر وجود التضارب أو الاختلاف بين شخصه اليوم وبين ما كان يقول بالأمس. المجتمع الإنساني قائم على الثقة بدرجة كبيرة ونحن دائما نقدم الثقة في الشخص في أول ظهور محترم له، كظهوره في صورة كاتب مثلا أو متحدث لبق. ونظل نكن له الثقة والاحترام إلى أن ينكشف ما يجرح مصداقيته مما يقول أو يفعل. والثقة التي أتحدث عنها هي أحد أعمدة التواصل البشري الهامة التي لو لم توجد لاحتجنا إلى قدر عظيم من الفهم المسبق كي نقبل فكرة أو أطروحة من شخص لا نثق أو نؤمن فيه.

والكاتب أو المتحدث من خلال طرحه للأفكار يقوم بتغذية الجمهور بمادة قد تثير شغفهم واهتمامهم ولكنهم سوف يستخدمونها لاحقا في تقييمه. نحن البشر لا نرضى عن أحد حتى يتبع ملتنا، لهذا مهما تقدمت معرفتنا سنطوع ذلك لنملك القوة في التأثير على الآخرين كي يتبعوا ملتنا.

والجانب المظلم في خطوة الإنسان لنشر أعماله أنه بذلك يصنع بيديه مشنقته ويسلمها للجمهور الذي قد لا يكون وصل للوعي الكافي لفهم الحقائق التي يبثها على وجهها الصحيح أو قد تفشل أدوات هذا الكاتب التحريرية في جعلها تظهر بالصورة الصحيحة التي يقصدها فيقيد المعاني فيها كي لا تستخدم بطريقة لا يرغبها.

قد يستوعب الجمهور أمورا مختلفة عما يؤمن هو أنه حقيقة. والأفكار ناعمة للغاية وقابلة للتشكل إلى عدة أحجام وأجسام لتخدم أي مصلحة. وقدرة العقل في ضبط هلامية الأفكار تتطلب معرفة وممارسة فذة وحذرة كي لا تتحول إلى أداة تهلك المصداقية مع مرور الوقت.

وعلى الرغم من وجود الوعي والفهم لدى الكاتب أو المتحدث سوف يقع في أزمة تدني المصداقية مهما احتاط. والسبب أنه لا يدوم حال من الأحوال، ستتغير الظروف وتتغير الآراء، وسيتغير هو من شخص لآخر لأنه ينمو كثيرا بمزاولة التأمل والقراءة والتعبير. وهذا الذي شارك الآخرين رأيا بالأمس سيكون أقل حظا من ذلك الذي صمت بالأمس فلم يعرف الناس عن مواقفه شيئا وقد تكون تبدلت كليا وبدرجة خطيرة للمصداقية.

الإيمان في إخلاص الإنسان بغض النظر عن مواقفه وأقواله أمر لا يحصل بسهولة بل من ندرة من الناس والمقربين جدا (كالأم). أن يؤمن بك شخص من دون أن يقيم ما تقول أو تفعل فتلك مسألة ليست سهلة على البشر، وهمهم الأول الأمان مما تكن وتخفي بالصدر فتطلعهم عليه زلة لسانك (تناقضاتك غير المقصودة). والأمان قد لا يتحقق قبل أن تبرهن بأنك تتبع ملتهم، حينها فقط ستستحق الثقة ومصداقيتك لن تكون مهددة، فلن يقيموا بعد ذلك ما تبث من قول أو فعل.

hanan_almarhabi@

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال