هل الأمية سنة مؤكدة!

الجمعة - 02 يونيو 2017

Fri - 02 Jun 2017

وقف خطيب مسجد الحي في خطبة الجمعة ليذكر الناس بأهمية رؤية الهلال بالعين المجردة في ثبوت دخول شهر رمضان المبارك بعيدا عن الاستفادة من التقنية الحديثة؛ وختم خطبته العصماء بأننا أمة أمية رسولها أمي لا يقرأ ولا يكتب؛ وبعيدا عن الخوض في تفاصيل الأمر النبوي وأنه لم ينص على استخدام العين المجردة فقط في رؤية الهلال؛ فقد قال عليه السلام صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، وإن غم عليكم فأتموا العدة.. ويفهم من معنى الحديث الشريف أن الهدف هو التحقق من وجود الهلال عن طريق رؤيته ولم يرد تخصيص العين المجردة كشرط أساسي للرؤية، ولا يوجد توجيه بعدم استخدام وسائل مساعدة أو معينات معينة؛ بما يعني إمكانية الاستفادة من الإمكانات المتاحة بما يخدم تحقق الهدف، وفي حال عدم توافر تلك الإمكانات تأتي حسبة الأيام كمخرج وحل.

إن وصف الأمة بالجهل ونعت رسولها عليه السلام بالأمية واستخدام ذلك ذريعة لعدم الاستفادة من معطيات العلم الحديث؛ هو دليل الجهل الحقيقي الذي يتسم به من يقول هذا الكلام؛ فلم يأت الإسلام إلا لتخليص الناس من جهلهم؛ ولم يتسم الرسول عليه السلام بأمية الفكر وليس لديه نقص في المعلومات أو الخبرات، بل كان عليه الصلاة والسلام مصدرا للعلم في كافة مجالات المعرفة من علوم وطب وإدارة وتربية وإرشاد وأسرة ومجتمع؛ مع أنه لم يكن يقرأ أو يكتب؛ ولا شك أن تلك صفة كمال ولا يمكن أن تكون صفة نقص لحصول الغاية من العلم وتحقق المعرفة، فقد كان معلما وقائدا وموجها كتطبيق عملي لما يحمل في صدره من جميع مصادر العلوم تنزيلا ممن أوجدها؛ وهنا يظهر الإعجاز والتميز في شخصية النبي الذي ليس كغيره من الناس وفيه تجسدت معاني القرآن الكريم وما يحويه من علوم ومعارف وأصبح هو مصدرها ومعلمها للبشرية؛ وقد كان الدرس الأول في أول آية تنزلت على سيدنا محمد عليه السلام هو الأمر بالقراءة كوسيلة لتعليم الناس وبذل أسباب التعلم في تدبر معاني آيات القرآن الكريم والبحث عما يشتمل من حقائق ومعلومات في جميع حقول المعرفة بدءا بطبيعة الخلق البشري وأسرار تكوينه نحو مجالات الكون والحياة.

وتؤكد الدراسات أن القراءة هي أفضل وسيلة لتحقيق غايات العلم والمعرفة وتتم عمليات التعلم فيها وفق مستويات متدرجة تتسق مع النمو المعرفي واحتياجات مطالب النمو لدى الإنسان ليصل من خلالها إلى مراحل متجددة في البحث عن المعلومة التي من صفتها التغير وعدم الثبات، لذلك يدعو الدين إلى استمرارية البحث وتحكيم المنطق واستخدام العقل والأخذ بما يتم الوصول إليه من نتائج إن لم تتعارض مع نص شرعي صريح؛ من أجل تحقيق أسباب الريادة التي يريدها الله لخير أمة أخرجت للناس.

فهل يريد هؤلاء القوم أن تصبح الأمة جاهلة لا تأخذ بأسباب العلم والتقدم وتبقى عالة على العالم؛ أم إن عقولهم النقلية لا تستطيع استخدام مهارات التفكير العليا في التحليل والتقويم والاستنتاج والحكم؛ وأصبحت لا تتجاوز مستوى الحفظ والترديد لما سمعوه من نقل عن علماء أفاضل كانت لهم اجتهادات تتفق مع زمنهم وتختلف عن أزمان من سبقوهم.

ووصل بهم الحال عندما لا يجدون ما يقدمونه إلى أن يجعلوا الأمية سنة عن الرسول عليه السلام وهم متبعون في عقولهم التي لا تدرك الاختلاف بين الوسيلة والغاية ولا تستوعب الفرق بين صفتي النقص والكمال في ظل غياب النظرة الشاملة والتقويم من زوايا متعددة.

وقفة: عندما يغيب الفهم تصبح القراءة والكتابة أشد ضررا من الأمية.