محمد أحمد بابا

عزروهم بالتي هي أحسن

الجمعة - 02 يونيو 2017

Fri - 02 Jun 2017

راجعت نفسي في مفهوم فضفاض لمن أراد، وواسع لمن رغب، وهو مبدأ (التعزير) كعقوبة شرعية معتبرة مقرة، لا جدال في كونها من محاسن هذا الدين ومبادئه العظيمة، وقلت لنفسي حين تلك المراجعة بأن من حكمة الشارع أن أولى الحاكم الشرعي مسؤولية تقدير العقوبة على بعض الأفعال والجرائم.



وتلك الحكمة لا تخفى على متفحص لمقاصد الشريعة الإسلامية التي أراد الله لها أن تكون صالحة لكل زمان ومكان حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن الملاحظ لمن يراجع خلاف العلماء والباحثين قديما وحديثا حين تطبيق التعزير - لا في مبدأ إقراره - يجد من الأمور ما يدعوه مثلي لأن يأخذ بزمام تتبع مراجعات المختصين في هذا المجال.



وعلى سبيل المثال حين جعل بعض الفقهاء التعزير غير زائد عن الحد في أي من التصرفات ربما انتصر كثير لهذا القول لأنه بالناس أرحم وبتطبيق الاجتهاد أليق، ولكن من ينظر في نصوص تثبت اجتهاد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وهم الأدرى بمفهوم الدين في العموم بخيرية استحقوها لكونهم أول من آمن ونصر وسمع وامتثل يجد بأن فيهم من جعل التعزير اجتهادا قد يصل للقتل تعزيرا، ولكن المسلم يأمل بأن تكون عقوبات معينها الدين والشريعة منضبطة التطبيق والحكم لا متأرجحة بين أقوال للعلماء يكون من جرائها قتل ونحوه أو جلد ظهر بعدد فاق أقصى عقوبة في القرآن العظيم وهي مائة جلدة.



أفهموني قديما إبان الدراسة بأن الرأي الأظهر - بناء على ما ظهر لمن يدرسنا ويعلمنا وليس لي بالطبع فلست أهلا لذلك - هو أن الجرائم التي لا نص في عقوباتها للقاضي أن يعزر المذنب بما يراه رادعا له أو لغيره ولو وصل ذلك للقتل، ولست بمنقلب على هذا الرأي، لكنني أحتاج لمزيد اطمئنان أنه الأظهر كما قيل لي ولغيري، بحثت فوجدت بأن الممارسة ربما كانت هي قاصمة الظهر في انتقاد القاصي والداني لبعض الأحكام.



واليوم أقول: من رحمة ربي أن نجد من المسؤولين عن تحقيق العلم الشرعي وبيانه للناس في مساق استدلال ظاهر الإقناع أن يسلك مسلك حفظ الدين للنفس التي تعتبر في المحافظة عليها من الضروريات الخمس التي استقر عليها الميدان الشرعي قولا وعملا تأصيلا، ثم إن الأولى - في اعتقادي - طالما الأمر محل اجتهاد أن يحمل على الجانب الأصلي فيما ثبت من قواعد الشرع بأن الرحمة مقدمة، وليس ذلك بانتصار للجريمة ولا اعتراض على حكم الله ورسوله، فنحن والمسلمون جميعا لا نملك أمام آية القصاص ولا الحرابة ولا عقوبة الزنا والسرقة إلا أن نحكم شرع الله، ولا نجد في صدورنا حرجا من قضائه ونسلم تسلميا، لكننا والأمر متاح لنا نجد في أنفسنا حرجا من تطبيقات تعزير ربما يكون غيرها أجدى منها وأنفع، وحين يكون ذاك ويقع ما نأمله، فمن الذي سيعتذر لكثير ممن نالتهم عقوبة تعزير بعد اجتهاد ربما جانب قليلا من الصواب؟



لذلك أقول: عزروهم بالتي هي أحسن، قاصدا حسن الاختيار والنجاعة والتطبيق والتأصيل، لا حسن الهوى والنفس.



@albabamohamad