عبدالله محمد الشهراني

رمضان وتحية إجلال

الأربعاء - 31 مايو 2017

Wed - 31 May 2017

هل شهر الخير والبركات، شهر كانت فيه الغزوات والفتوحات، شهر تكثر فيه الطاعات وتتآلف فيه القلوب، هو الشهر الجامع لمجلس العائلة في وقت محدد وعلى مائدة واحدة تحتضن الجميع من كبير الأسرة إلى أولئك الصائمين (نص نهار)، اجتماع ذو قيمة كبيرة ومتعة أكبر لكل فرد في الأسرة.



هذه المتعة تفتقدها فئة غادرت منازلها إلى ساحات العمل، لتجلس خلف الكاونترات وبجوارها كأس الماء وصحن صغير فيه بضع تمرات، تطبع بطاقة صعود الطائرة بيد وبأخرى ترتشف الماء، وموظف آخر يمر على موظفي الكاونترات بصحن بيضاوي مليء بالمعجنات (سمبوسة، بف، عيش باللحم.. إلخ اللي فزعت به زوجته).



وكابتن ومضيف يودعون أبناءهم متجهين إلى المطار لتشغيل رحلة طويلة، يتحرى فيها الكابتن موعد أذان المغرب ويأذن المضيف للركاب بالإفطار، فيفطر الكابتن خلف المقود سارحا في الأفق، والمضيف يتناول التمر ويحتسي الماء وسط المسافرين متبادلا معهم الابتسامة والدعاء.



وتلك المضيفة التي لم تستطع مقاومة الدموع وهي تتذكر أبناءها وعائلتها عندما كانت تفطر معهم، وقلبها يقول في صمت «لا نكهة لرمضان بدونكم». وفي أرض الساحة نرى رجل الصيانة وقد أنهكه الجوع والعطش، ممارسا عمله بكل مسؤولية حريصا على سلامة المسافرين رغم حرارة الجو وإزعاج المكان، فيراه الركاب من نافذة الطائرة ملوحا للكابتن بإحدى يديه بالشريط الأحمر وفي يده الأخرى كيس صغير فيه بضع تمرات.



القائمة تطول وخصوصا لأولئك الموظفين الذين لا يراهم الركاب ولا يشعرون بهم، لكنهم عناصر أساسية في تهيئة الرحلة من دخول المسافر إلى المطار حتى مغادرته صالة الوصول.



في كل بقاع الأرض هذه المجموعة لا تستمتع بالإفطار كما نفعل نحن، ومع ذلك ورغم شوقهم لسفرة العائلة إلا أنك تجدهم مبتسمين وفخورين بما يقومون به، يرون في هذه المهمة شرفا يلمسون انعكاسه في عيون المسافرين، مستمتعين بتلك العبارات التي يسمعونها منهم «كل عام وأنتم بخير، رمضان كريم، تقبل الله.. إلخ».



وتمضي الأيام وتدخل العشر الأواخر وترتفع وتيرة العمل ويزداد الحمل فتقابله لياقة عالية وأداء مضاعف، فكل مستعد وجاهز في مكانه محاولا الجمع بين العمل والأجر في تلك الليالي المباركة.



ويأتي العيد وتجد أبناء هذه المجموعة يذهبون إلى مصلى العيد إما مع أجدادهم أو أعمامهم أو أخوالهم، مفتقدين وجود الأب أو الأم في تلك اللحظات السعيدة.



السؤال الأول هنا، هل يمكننا التخفيف من حدة الإرهاق والتعب لهذه المجموعة في العمل أثناء فترة الصوم؟، الجواب نعم نستطيع، إن المحرك الأساسي لعمليات التشغيل في أي قطاع وفي أي مجال هو إدارات التخطيط، هذه الإدارات ومن خلال برامجها السنوية أو الشهرية التي تصدرها يتم تشكيل فرق التنفيذ في إدارات التشغيل على ضوئها، لذا ومن المفترض ورحمة بزملائهم في إدارات التشغيل أن يؤخذ في الاعتبار أثناء صياغة الخطة التشغيلية حصر الأعمال والمهام الشاقة والطويلة بعيدا عن فترة الظهيرة أثناء الصيام «من 12 ظهرا إلى أذان المغرب».



أما السؤال الثاني، هل يمكننا أيضا مساعدة هذه المجموعة من الناحية الاجتماعية في رمضان؟، الجواب نعم نستطيع، وهنا يأتي دور المدراء والمشرفين على عملية جدولة الموظفين، فلا بد أن يراعى فيها العدل والمساواة بين الجميع، فلا يرهق فيها المجتهد ويرتاح الكسول (ويتضبط ولد فلان ويتبهدل ابن علان)، جدول لا يؤثر سلبا على حياة الموظف الاجتماعية ولا ينعكس على صحته مستقبلا.



كذلك هو الحال بالنسبة لجدول الإجازات، والتي من المفترض أن تختصر في هذه الفترة لكن ليس من المقبول أن تحظر.



ما ذكر في هذا المقال ينطبق على جميع الموظفين الذين يعملون بنظام الورديات «النوبات»، والذي يتطلب تواجدهم على مدار الساعة، أقسام الطوارئ في المستشفيات، القطاعات العسكرية، الاتصالات، الكهرباء، الجمارك، الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، موظفو الفنادق، إمارة منطقة مكة المكرمة وإمارة المدينة المنورة ...إلخ.



تحية إجلال وشكر لكل من غادر منزله قبل الإفطار متجها إلى العمل. تحية إجلال وشكر لكل من لم يشهد صلاة العيد مع أبنائه. تحية إجلال وشكر خاصة لأولئك الأبطال في الحدود الجنوبية، فبهم بعد الله أفطرنا وصلينا العيد في أمن وأمان.



ALSHAHRANI_1400@