مرزوق تنباك

رمضان وإمكانية التغير

الثلاثاء - 30 مايو 2017

Tue - 30 May 2017

هذا الأسبوع الأول في رمضان الشهر المبارك الذي ينتظره المسلمون عاما بعد عام ويفرحون بقدومه، يتغير فيه كل شيء في حياة الصائمين، لا أقصد التغير الواجب كالصوم والصلاة والتعبد المنقطع فيه الإنسان إلى ربه - وإنما أقصد تغير السلوك- وإن كان هذا الجانب الروحاني هو الميزة التي تميز رمضان عن غيره من شهور السنة، وتكون العبادة فيه عامة حين يشترك الناس في تنظيم محكم وفي أوقات محددة في الأكل والشرب وفي القيام واليقظة والانضباط في كل شيء، تمتد الأيدي إلى الطعام في لحظة واحدة عند كل سكان المدينة الكبيرة حتى لكأنهم في طابور عسكري يتناغم على صوت واحد هو صوت المؤذن، وتكف تلك الأيدي عن الشراب والأكل في لحظة يحددها صوت المؤذن حين يعلن التوقف عن الأكل والشرب فيمتنع الناس.



لا يمكن أن يحدث مثل هذا الانضباط في أي تنظيم بشري مهما كان نوعه ومصدره وآلة تنظيمه، وفي نفس الوقت يكون الناس كافة في القطر الكبير في حالة واحدة متطابقة في شهر كامل لا يختلفون في شيء ذي قيمة، يشكلون صفا لا تكاد تجد فيه ثلمة لمخرج غير ما هم فيه جميعا، استطاعوا أن يكونوا هكذا في شهر كامل.



لكن ليس هذا هو المراد من كلمتنا اليوم، المراد أن الناس يستطيعون إذا وجدت المشيئة الصارمة والإرادة الجازمة والعزيمة أن يتحول حالهم بهذه الطريقة السريعة ويتغير مزاجهم مع ما يمكن أن يتغير من حياتهم، فرمضان شهر واحد كانت فيه رغبة التغير ملزمة دينيا ومقبولة اجتماعيا وقد حققت الرغبة هذه القوة من التغيير.



والشاهد من كل ذلك أن القابلية للتحول في المجتمع ممكنة في كل الأحوال وفي كل الظروف، فما حدث في شهر رمضان يمكن أن يحدث في كل الشهور والأيام، الفارق هو التصميم والرغبة والقناعة التي تقف وراء مطالب التغيير وتؤمن بأهميته، سواء كان سبب التغير مطلبا دينيا كما هو الحال في رمضان أو مطلبا دنيويا تقتضيه مصلحة مجمع على أهميتها ولو كانت مصلحة عابرة بظرفها مستقلة عن غيرها من المصالح والأغراض.



السؤال هل نستطيع استغلال تجربة رمضان ونغير كثيرا من العادات غير المفيدة أو غير المهمة، الإسراف مثلا عادة لم تكن معروفة من قبل، وقد حدثت في ثقافتنا الاستهلاكية القريبة العــهد بالثراء والقدرة على ضروب من الإنفاق غير ضرورية في حياتنا الاجتماعية، حيث أصبحنا نمارس هذه العادة بشكل لا يليق بالشكر على النعم الذي به تزيد وتدوم (لئن شكرتم لأزيدنكم) ولكنها في رمضان تزداد وضوحا في أكثر ممارساتنا اليومية وتنكشف آثارها السيئة عندما يصل الإسراف حده وتبلغ تكاليف المعيشة اليومية في رمضان أضعاف ما تبلغه في بقية شهور العام، مع أن الله يأمرنا بأن نأكل ونشرب ولا نسرف، والإسراف هو إنفاق المال بما يزيد على الحاجة في كل شيء حتى لكأن رمضان مناسبة للأكل والشرب والتفنن بهما ولا شيء غير ذلك، الشهر الكريم مناسبة للعبادة والقربى من الله، وليس للإسراف والتبذير.



الحال الثاني الفتور في العمل والميل إلى الكسل والتأفف والضجر، فما يكاد يدخل شهر رمضان حتى يتكاسل الناس عن الأعمال الواجب أداؤها ويقل الجد والاجتهاد وتعطل المصالح العامة والخاصة في بعض المرافق. ويتغير مزاج الناس وتحتد طباعهم، وذلك خلاف ما يوحي به الشهر الكريم، فهو مجال للعمل والصبر والتحمل ولم تكن تلك حال الناس في القديم مع ما كان في حياتهم من الشدة والقسوة وشظف المعيشة.



Mtenback@