سليمان الضحيان

خطورة إضعاف المؤسسات الدينية

الاثنين - 29 مايو 2017

Mon - 29 May 2017

فلسفة المذهب الشيعي الإمامي قائمة على مركزية رجل الدين؛ إذ إن من شروط قبول العمل من الناحية الدينية وجود مرجع ديني يقلده المكلف، ويؤدي له خمس المكاسب سنويا، وهذا ما جعل للمرجعية الدينية حضور مهيمن على مفاصل الحياة الدينية لأتباع المذهب، وتعدى الأمر إلى الشؤون السياسية، وحسب تعبير جيرترود بيل مستشارة للمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس في بداية القرن الـ20 «الشيعة لا يقودهم إلا رجل دين» حيث قالتها حين كان البحث جاريا عن حاكم عربي للعراق آنذاك، ولسنا في معرض الحديث عن الآثار السيئة والحسنة لمركزية رجل الدين في المذهب الشيعي سوى الإشارة إلى أن هذه المركزية الشديدة الصارمة استطاعت كبح جماح تمرد الحركات المتطرفة الشيعية، وجعلتها خاضعة لمتطلبات المشروع الشيعي السياسي دون انفلات، فيكفي أن ترفع الغطاء الديني عنها، فتسقط في نظر الشارع الشيعي.



وأما المذهب السني فليس فيه مرجعية دينية صارمة ذات تراتبية، وليس من شروط التكليف الديني وجود مرجع تقليد يتقيد بفتاواه المكلف، فمن علم شيئا عمل به، ومن جهل سأل أي عالم دون التقيد بمرجع معين، وهذا الوضع مع إيجابيته في الحد من سلطة الفقيه على المجتمع إلا أنه ساهم في انفلات حركات التطرف والعنف، فهي ليست ملزمة بالرجوع دينيا إلي أي عالم، لكن مما يخفف من حالة الانفلات وجود مؤسسات دينية معنية بالشأن الديني إفتاء وتدريسا كالأزهر في مصر، وهيئة كبار العلماء في السعودية، ودور الإفتاء في غالب الدول الإسلامية، فهذه المؤسسات تمثل مرجعية دينية لعامة الناس فيما يخص أمور الدين، لكن هذه المؤسسات واجهت تحديين، التحدي الأول أن الجمهوريات التي قامت على أنقاض الملكيات في العالم العربي أضعفت من دور تلك المؤسسات، ففي مصر طرحت سلطة ثورة 52 مشروع تحديث الأزهر، وهو في حقيقته إضعاف لمخرجات الأزهر الدينية ولدوره الديني، وفي تونس ألغت السلطة سنة 1954 التعليم الديني في جامع الزيتونة وفروعه الـ25، وفي الجزائر ألغيت المعاهد الدينية في عهد هواري بومدين في إطار مشروعه الاشتراكي.



التحدي الثاني الذي واجهته المؤسسات الدينية هو الحرب الشعواء التي شنها عليها مثقفو التيارات الشيوعية واليسارية في الستينات والسبعينات، ومثقفو التيار الليبرالي في التسعينات وما بعدها إلى اليوم، وثمة حملة شعواء اليوم يشنها المثقفون المصريون على الأزهر وشيوخ الأزهر ومناهج الأزهر، واتهامه أنه مصدر الإرهاب، ومعقل التطرف.



وقيام السلطات الحاكمة بإضعاف المؤسسات الدينية، والحملات التي يشنها المثقفون عليها تنم عن جهل بطبيعة مجتمعاتنا العربية، فمجتمعاتنا العربية معجونة بالدين في عاداتها وتقاليدها، ويمثل الدين حجر الزاوية في العقل الجمعي لمجتمعاتنا، فالناس سيظلون بحاجة لعالم الدين، وإلغاء المؤسسات الدينية أو إضعافها لن ينتج عنه ترك الاهتمام بالدين لدى عامة الناس كما يتصور المثقفون، بل سيجعل الناس يلجؤون لكل من طرح نفسه على أنه عالم دين بمن فيهم الحزبي المسيَّس الذي يقدم هدف خدمة حزبه على خدمة الوطن، وإلى العالم المتطرف لذي لا يعترف بأي نظام سياسي قائم، وإلى الأطروحات الدينية في الفضائيات والانترنت، وهي قد تكون لا تتفق مع توجهات بيئته الدينية، مما يحدث شقاقا وتحزبات دينية في مجتمعه.



وكل هذا حصل نتيجة لإضعاف المؤسسات الدينية الرسمية، فأصبح لكل تيار ديني علماؤه، وأصبح تأثير علماء المؤسسات الدينية ضعيفا على عامة الناس، ومع هذا الواقع الذي يحتاج لعلاج عاجل، ما زال هجوم المثقفين على تلك المؤسسات يَتْرَى كما نشاهد هذه الأيام من هجوم شرس من المثقفين المصريين على الأزهر، ومما يدلل على أن هجوم المثقفين على المؤسسات الدينية يصب في مصلحة جماعات التطرف والعنف أن تلك الجماعات تتفق مع المثقفين في الهجوم على المؤسسات الدينية، ومحصل الهجومين إضعاف المؤسسات الدينية ودعوة عامة الناس للبحث عن بديل ديني سيكون للمتطرفين وعلمائهم نصيب منه.



Dohyyan_suliman@