التحكيم وسرعة الفصل في القضايا

الجمعة - 26 مايو 2017

Fri - 26 May 2017

تعتبر المطالبة بالحقوق والحفاظ عليها من المتطلبات الرئيسية والأساسية منذ القدم، ولكن تم تأكيد هذا في عصرنا الحاضر في الأنظمة الدستورية والقوانين السارية والممارسات العدلية. وبموجب هذا الوضع فإنه يجوز لأي شخص أو جهة ما الذهاب للمحاكم ودور القضاء للمطالبة بالحقوق في كافة أشكالها. وهذا الحق ثابت وقانوني ومشروع ويمارسه الجميع في حرية تامة وحماية كاملة من كل الأطراف المختصة.

ولكن مع مرور الزمن وكثرة البشر وكثرة القضايا والخلافات لزيادة المعاملات بين الناس وتعقيدها المتزايد، ولغير هذا وذاك أصبح اللجوء للتقاضي أمام المحاكم العدلية يأخذ وقتا طويلا، بل يأخذ وقتا أكثر مما يجب. ومن هذا يتضايق الناس ويتضجرون وقد تضيع الحقوق وتفقد قيمتها المادية والمعنوية، وكل هذا يعقد الحياة ويجعل المعاملات بين الناس أكثر صعوبة وأكثر تكلفة. وفي هذا ضرر للجميع.

للخروج من مثل هذا الموقف غير المحبب بدأ الجميع يفكرون في البحث عن بدائل مناسبة لحسم المنازعات التي قد تحدث بينهم، وهذا بالطبع أمر وارد في أي وقت. ومن واقع البحث والممارسات توفرت عدة بدائل يمكن اللجوء إليها لتسوية وحسم المنازعات. من أهم هذه البدائل وأكثرها نجاعة، نجد «التحكيم»، حيث يتم اللجوء إليه بواسطة الأطراف لحسم المنازعات والخلافات بينها.

التحكيم من الناحية القانونية يعتبر «قضاء خاصا»، والتحكيم يملك السلطة القانونية للفصل النهائي والنافذ في النزاع. القوانين الخاصة المنظمة للتحكيم جميعها تقنن كيفية وماهية اللجوء للتحكيم. وفي المملكة العربية السعودية يوجد نظام خاص للتحكيم يقنن هذه المهنة ويمنحها كل السلطات القانونية الضرورية لذلك. وفي المملكة تسير الأمور الآن على هذا النحو القانوني السليم، وهو ينسجم تماما مع ما يجري في كل دول العالم.

إن الفصل السريع في المنازعات الذي يتم أمام هيئات التحكيم يعتبر من المميزات الهامة التي تميز التحكيم عن غيره من البدائل الأخرى التي يتم اللجوء إليها لتسوية المنازعات المعنية. ونقول من واقع التجربة إن السرعة في الفصل في المنازعات أمام هيئات التحكيم يعطيها هذه الميزة الخاصة، وذلك نظرا لأن التقاضي أمام المحاكم العدلية يأخذ وقتا طويلا، وفي بعض الحالات يستمر التقاضي أمام المحاكم لعدد من السنوات. وفي هذا التعطيل ربما يكون هناك هدر لبعض الحقوق، وكما يقول أهل القانون «تأخير العدالة يعتبر نكرانا للعدالة». ولتجاوز كل هذا فإن التحكيم موجود وممارس علي أفضل السبل.

إن المحاكم من دون شك تلعب دورا رئيسيا مباشرا في إحقاق الحق وتثبيت أركان العدالة، وفي هذا يجب تقدير دورها الكبير، ولكن في بعض الحالات قد يحدث التأخير والتعطيل و»مط الإجراءات». وفي كل هذا قد يتسبب الأطراف في التعطيل عن قصد أو من دون قصد، وأيضا قد تتدخل عوامل أخرى يكون لها دور في التعطيل بسبب الإجراءات أمام المحاكم العدلية.

ولتلافي هذا الأسباب المبررة أو غير المبررة تم إصدار أنظمة وقوانين التحكيم في كل العالم. وفي هذه القوانين والأنظمة تم تجاوز كل هذا، وتم قفل الأبواب تماما في وجه تعطيل الإجراءات. ولتحقيق هذا فإن جميع أنظمة وقوانين التحكيم تحدد فترة زمنية محددة يجب أن يصدر فيها أو خلالها القرار النهائي «الحكم» لهيئة التحكيم. وفي أغلب قوانين التحكيم فإن هذه الفترة الزمنية يجب ألا تتجاوز ستة أشهر يصدر خلالها القرار النهائي. وعبر هذا فإن الأطراف عندما يلجؤون للتحكيم فإنهم يعلمون أن الحكم النهائي سيكون أمامهم وقابلا للتنفيذ خلال هذه الفترة المحددة، وذلك ما لم يقم الأطراف وبطوعهم واختيارهم بزيادة هذه المدة للأسباب التي يرونها. وهذا جائز لهم، لأن «العقد شريعة المتعاقدين»، وهذه قاعدة قانونية أصولية لا يتم إغفالها.

ومن واقع التجربة فإن الغالبية العظمي من قضايا التحكيم يتم الفصل فيها خلال المدة القانونية المحددة، وذلك حتي لا يتم الطعن بالنقض في قرار هيئة التحكيم لتجاوز الزمن القانوني لإصدار القرار النهائي، وبهذا يكون للتحكيم ولصناعة التحكيم دور كبير في تحقيق العدالة الناجزة، ومن هذا تستقر النفوس وتهدأ الخواطر وتسير الأمور، لأن العدل الناجز من أهم أهميات الحياة ويحتاج له الجميع، ولا بد من السير في طريق التحكيم لنصل لنهاياته المفيدة.