السماح بالرحيل

الثلاثاء - 23 مايو 2017

Tue - 23 May 2017

يتأرجح الإنسان في تفكيره بين: ماض دفن في تلافيف الذاكرة ويروح يتفنن في استرجاع كل سيئ فيه من حدث مر به أو كلمة جرحته كان قد قالها شخص ما. أما الذكريات الجميلة فيبقيها مدفونة منسية لا يكاد يتذكرها.

وبين مستقبل مجهول ينسج له السيناريوهات المختلفة وكأنه مخرج لفيلم هوليوودي! وفي النهاية قد لا يرى لهذا المستقبل الذي أرهق نفسه بالتفكير فيه وجودا البتة.

لماذا هذا التأرجح؟

إن تنقل الإنسان بين الماضي والمستقبل يشعره بوجوده وأن هذه الحياة مليئة بالأحداث، وفي ذلك دلالة أكيدة على وجوده حيا وأنه يسيطر على مجريات حياته. وهنا الوهم الأكبر.

أنت هنا الآن بجسدك وقد تكون هناك بعقلك وفكرك! في هذه الحالة أنت لا تعيش حياتك على وجه الحقيقة. إنما أنت تتعايش فيها.

كيف لك أن تعيش الحاضر بتفاصيله الجميلة وأن تتأمل إبداعات الخالق من حولك من ابتسامة طفلك إلى تغريدة عصفور تسمعها وهي غير بعيدة عنك. وأنت غائب في الواقع؟

لماذا السماح بالرحيل؟

هل تذوقت يوما روعة الحرية؟ روعة التحرر من الأثقال التي ترهق كاهلك؟

قد تعتقد أنها هي قدرك المتعلق بك. ولكن الحقيقة أنك أنت من تتشبث بها وتريدها أن تكون جزءا من حياتك بلا إدراك منك.

لقد سمعنا كثيرا العبارات التي تذكرنا بحقيقة الحياة حسب رأيهم، ومنها أننا لم نخلق لنعيش حياة الجنة على هذه الأرض، إذ الحياة مكابدة وكفاح، ولا وجود فيها لمستقبل بلا ماض نتحسر عليه، ولكي نتعلم منه علينا أن نفكر فيه مرارا وتكرارا.

التعلم من تجارب الماضي ليس كما يظنه الكثيرون. إنه عيش الحاضر بكل وعي وإدراك طريقة التحليل الصحيحة للمواقف دون أن ندخل عليها تشوهات من المعتقدات الخاطئة نكون قد بنيناها من تجاربنا الماضية أو تحليلاتنا لتجارب الآخرين. هنا يكون الماضي قد أدى دوره وعلمنا الطريقة الصحيحة لعدم الوقوع في نفس الأخطاء وبذلك نكون قد استفدنا منه لبناء مستقبل أجمل.

إن تذكر الأحداث المؤلمة مرارا وتكرارا مصحوبة بكتلة من المشاعر السلبية يعود على الفكر وعلى الصحة والحياة عامة بالضرر.

لا تستطيع أن تتخيل نفسك بلا ماض عشته ولا سبيل لإرجاعه، كما لا تستطيع أن تتخيل نفسك بلا مستقبل أنت لا تملك مفاتيحه ولكن عليك التفكير فيه والتخطيط له لكي تصنعه كما تريد. ولكن بطريقة بناءة قائمة على يقين بأنك ابن هنا والآن.

والآن لنسمح بالرحيل لكل شيء لم يعد له مكان اليوم في حياتنا. ولنسمح لأنفسنا أن نتنفس مع كل فجر جديد فرصة جديدة لحياة أجمل، فأنت وأنا لسنا كما كنا بالأمس، ولن نكون غدا مثل اليوم.. وعلينا أن نجعل كل تغيير متجها لما هو أفضل لنستطيع أن نبني لأنفسنا ولمن حولنا عالما أجمل.