أحمد الهلالي

الضرب ثقافة!

الثلاثاء - 23 مايو 2017

Tue - 23 May 2017

باستمرار تطالعنا الأخبار والمواقع بصور أجساد شوهها العنف، وكأنها تردت من قمم شاهقة، وغالبا لا نرى إلا الوجه الواحد من القضية، ولا نعلم الحيثيات والأسباب، لكن ذلك الوجه يكفي لازدراء العنف؛ فلا مبرر لكل ذلك العنف مهما كان الخطأ، فأخطاء الأخت والزوجة والأخ الأصغر والابن لا تبيح الضرب الجنوني الذي يفوق (المبرح) حتى، ناهيك عن تعابير وجه المعنِف المرعبة وصراخه وهيجانه التي لا نراها.



لو عدنا للضرب كثقافة اجتماعية، سنجد أن له روافد شتى، لعل أولها عنف التنشئة في الطفولة، التي تغذي النشء بفكرة أن الضرب هو الحل لكل المشاكل، ولتقويم المعوج (قولا وفعلا) فالأسرة تحث ابنها على ضرب الآخرين وتتغاضى عن تنمره، والأسرة كذلك تضرب ابنها لتطويعه والسيطرة عليه، وهذا ما يظهر في بيئة المدرسة بين الطلاب، وظاهرة الطلاب (المتنمرين)، ثم يأتي الرافد الثاني في بعض المعلمين الذين لا يؤمنون بكل الأساليب التربوية بديلا عن الضرب، وأحيانا الرفس.



وبعد الرافد التربوي يأتي الرافد الاجتماعي بخطاباته المشحونة بالعنف، على مستوى (سواليف المجالس) أو حتى (الشعر)، وعبارات عنصرية وعصبية تجعل الشاب في قلق مطرد، متأهب دائم للعنف والضرب، وانظروا في سيارات الشباب للهراوات (القطل) الخشبية والحديدية وغيرها، وفتشوا جيوبهم عن السكاكين والمشارط، ناهيك عن حمل الأسلحة النارية.



على المستوى الشرعي، هناك تقنين ديني للضرب، وهو (باشتراط) آخر الحلول في قضية عصيان المرأة ونشوزها حسب التوجيه القرآني، إذ ينزع الحكم إلى التأنيب النفسي نائيا عن التعنيف الجسدي بأن يكون (غير مبرح)، وفي الأحكام الشرعية (الحدود) نجده محددا بنصوص لا يجوزها، لكن بعض القضاة يمتطي التعزير فنسمع بأحكام جلد جائرة، أصغر وحدة في عداده (1000) ومضاعفاته، فيصبح القضاء رافدا من روافد ثقافة الضرب.



إن أردنا الحد من العنف الجسدي، الذي أعده المنبع الرئيس لجل قضايا القتل في مجتمعنا، فلا بد أن نتجه إلى روافده سابقة الذكر، وإصلاح كل خلل فيها، وعدم التهاون في التوعية الأسرية والاجتماعية والتربوية، وتقنين الأحكام القضائية التعزيرية بأقل من حدود الجلد الشرعية المقننة، فليس القضاة ولا الفقهاء أحكم من الله ولا أعلم، حتى نسمع بتلك الأرقام الفلكية الجائرة، والله الهادي إلى سواء السبيل.



ahmad_helali@