لست متأمركا

الاثنين - 22 مايو 2017

Mon - 22 May 2017

أصبحت زيارة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية للمملكة حديث المجالس والإعلام لهذا الأسبوع، وبما أنه كذلك، سأتحدث عن أمريكا التي أعرف بعيدا عن السياسة التي لا أفقهها. سأتحدث عن المدة الطويلة التي قضيتها في أمريكا. قضيت فترة منها وأنا طالب جامعي أعزب، وفترة أخرى وأنا موظف متزوج وأب.

هذه المدة كفيلة بأن تعرفني أكثر بأمريكا وأهلها. وفي هذا المقال لست بصدد المبالغة في مدح أمريكا وأهلها ففيها الصالح والطالح كأي شعب على وجه المعمورة، ولكني سأتطرق للصالح الذي أعتقد أنه أضاف لي، والذي قد يخفى عن الكثير ممن سمع بأمريكا ولم يرها على وجهها الحقيقي.

هناك، عشت في بيئة منفتحة تختلف عن البيئة المحافظة التي عشتها في مملكتنا، فوجدت الفوارق بين البيئتين، ساعدني ذلك على زيادة فهمي للإسلام وتعمقي فيه أكثر. هناك لم يكن لدي رقيب ولا حسيب إلا الله سبحانه، والسبل كانت متاحة أمامي لأي منكر أو عمل مخالف لتعاليم ديننا.فالحرية وعدم التدخل في شؤون الآخرين التي عشتها هناك عرفتني معنى أن أحفظ الله ليحفظني، وعرفتني معنى الإحسان الحقيقي، ووضحت لي الفرق بين الخوف من الله والخوف من كلام الناس، وقتها وضحت لي القيم التي زرعها والداي في، فكانت الرادع بعد الله من المنكرات، كل ذلك لم أكن لأدركه إلا من خلال تجربتي في أمريكا.

إن مما عرفته في أمريكا هو أن الإسلام ليس فقط عبادات وعقيدة، بل أخلاق وسلوك. فكثير من سلوك وأخلاق الشعب الأمريكي هي بالأساس من صفات المسلم قبل أن تكون «أمريكية»، فعرفت أن أخلاق الإسلام هي الأخلاق التي فطر الإنسان على اتباعها. هناك، وجدت الابتسامة والبشاشة والمساعدة والدعم في أناس لا تربطني بهم إلا الإنسانية. أدركت أن هذا التهذيب هو ما يجب أن يكون فينا نحن أتباع دين محمد صلى الله عليه وسلم، فهذه هي خصاله وخصال صحابته.

هناك عرفت أن النظافة جزء من سلوك المجتمع، فنادرا جدا أن ترى قذارة في الشارع أو الحدائق أو بقايا طعام على طاولة مطعم، الكل يترك المكان أفضل مما كان عليه. هناك، شاهدت وعشت الالتزام، واحترام الجميع، هناك لاحظت أن التطوع ومساعدة المحتاج جزء من حياة الإنسان. هناك، عشت مع أجناس وأديان مختلفة، إلا أن ذلك فعلا «لم يفسد للود قضية».

أقول هذا الكلام، وكلي خوف من أن أتهم بالتأمرك أو التغريب، إلا أني أقول ذلك لما أراه من توافق مع ديننا الحنيف ومع أخلاق المسلمين الذين سبقونا ونقلوا لنا هذه التعاليم النبوية الشريفة. أقول هذا الكلام بالعين التي تريد الاستفادة من إيجابيات المعيشة في أمريكا، لا ذما لسلبياتها. أقول هذا الكلام وأنا بكل فخر لست متأمركا، بل مسلما أدرك عمق الإسلام في الغربة.

قفلة: أن نمتدح أمريكا لا يعني أننا ننتقص من أنفسنا، فلقد سبقنا الصحابي عمرو بن العاص عندما وصف الروم فقال: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وأرحمهم لمسكين ويتيم وضعيف.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال