سليمان الضحيان

ساحرة الرياض وغياب الوعي بمفهوم الدولة

الاثنين - 22 مايو 2017

Mon - 22 May 2017

في فيديو مصور انتشر على نطاق واسع جدا ظهر فيه صوت رجل يتهم امرأة جاءت إلى محل لتصوير أوراق فيها خطوط غير مفهومة، وكان يُسمع في الفيديو نهرها بشدة، ووصفها بعمل السحر، والتصوير مركّز على وجهها، ثم تم بعد ذلك تصوير رقم السيارة التي جاءت بها، وهي تستجدي العطف بترك تصويرها.



وقد انتشر التصوير على نطاق واسع جدا تحت عنوان (ساحرة الرياض)، وتحولت القضية إلى رأي عام، وقد طالبتُ في (تويتر) وطالب غيري بمعاقبة من قام بتصويرها ونشر الكلام عن اتهامها بالسحر على الملأ، وقام بنشر الفيديو؛ لأنه قام بدور المحقق والقاضي، ولم يبق إلا تنفيذ عقوبة السحر عليها.



وقد صُدِمت بانتشار الجهل الواسع بمفهوم (دولة القانون) لدينا، فكثيرون أيدوا فعل الرجل، وكانت حججهم في هذا التأييد متنوعة، منهم من رأى أن ما قام به هو من وسائل فضح المتربصين بالمجتمع شرًّا، ومنهم من رأى أنه من باب إنكار المنكر، ومنهم من رأى أنها فعلا ساحرة؛ لأنه سمعها تقول: أتوب على يديك، وهذا كاف لإثبات تهمة السحر عليها، ولم يبق إلا تنفيذ الحكم، ومنهم من رأى أن هذا هو الطريق الأنسب لتهتم الجهات المسؤولة بالأمر.



نحن أمام حالة جهل عميق بمفهوم الدولة الحديثة بسلطاتها الثلاث (التشريعية، والقضائية، والتنفيذية) والتي يجب أن تحتكر تنفيذ القانون بجميع درجاته:

(القبض على المتهم، والتحقيق معه، ومحاكمته، وتنفيذ حكم القضاء)، أما هذه الآراء المؤيدة لفعل ذلك الرجل فمؤداها التشريع لحالة الفوضى، فحسب فهم أصحاب هذه الآراء لآحاد الناس اتهام غيرهم، والحكم عليهم، ونشر الحكم على الملأ، فما حصل في هذه الحادثة هو اتهام للمرأة، ثم إثبات التهمة، والحكم عليها بأنها (ساحرة)، ثم نشر الحكم بين الناس يتناقلونه.



وهذا الفهم يؤدي لنتائج خطيرة، فمثلا إذا كان في المجتمع تيارات فكرية متباينة، وكل تيار له رؤيته في مجمل القضايا، ولنأخذ مثالا دينيا على تلك الاختلافات كشف وجه المرأة، فلدينا من يرى جواز الكشف، ولدينا تيار فكري آخر يرى أن كشف الوجه من السفور المحرم الذي لا تفعله الصالحات، ويجب الإنكار على من كشفت وجهها، فإذا كان الأمر متروكا لأفراد المجتمع فماذا لو قام فرد من آحاد الناس، وصور وجه امرأة، ونشره مع التعليق عليه بأن هذه امرأة فاسقة، قد كشفت وجهها في محضر من الرجال في الأسواق؛ وحجته في هذا محاربة السفور وإفساد المرأة، والتشهير بالفاسقات؛ ليرتدعن عن هذه المعصية؟!



وقل مثل ذلك في مئات القضايا التي يختلف الناس فيها، فمؤدى فهم مؤيدي صاحب الفيديو ينتج مئات القوانين بعدد القضايا المختلف فيها، فكل صاحب قضية يرى الحق معه، ومن حقه محاكمة الآخرين إلى قانونه.



ولنوسع الدائرة، ونضرب مثالا حيا على هذا الفهم؛ لندرك خطورته، فما تقوم به جماعات العنف المتطرفة هو مظهر من مظاهر هذا الفهم، فهي تحكم على أمر ما بأنه كفر (وهذا دور المفتي)، ثم ترى وجوب إزالته (وهذا دور القاضي)، ثم تقوم بتفجيره إن كان بناء أو قتله إن كان إنسانا (وهذا دور الحكومة)، والفارق بين جماعات العنف وأصحاب هذا الفهم من غير جماعات العنف، أن تلك الجماعات لا تعترف بالدولة، وتطرح نفسها بديلا عنها.



سيحتج أصحاب هذا الفهم بأن السحر مجمع على تحريمه، وعلى خطورته ودوره الهدام في المجتمع، ولا شك في هذا، وليس الكلام عن إنكاره، بل الكلام عن قيام آحاد الناس بدور الدولة في تنفيذ القانون فيما يراه سحرا، فدور الفرد ينتهي عند إبلاغ السلطة التي في يدها وحدها تنفيذ القانون، أما إن قام هو بنفسه بتنفيذ القانون فالنتيجة ستكون انتشار الفوضى كما سبق إيضاحه.



وقد سبق أن نبهت في مقال سابق إلى أهمية نشر الثقافة السياسة بمفهوم الدولة، وأعيد التأكيد عليه؛ فإن من أولويات نشر الوعي نشر الثقافة السياسية بمفهوم الدولة بسلطاتها الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، وسلطة القانون، وحدود عمل الفرد في مقابل القانون، وكيفية سعي الفرد لتغيير القوانين التي يرى أنها تسمح بوقائع لا يقرها من وجهة نظره، بدل طرح نفسه مشرعا ومنفذا لقوانينه الخاصة.



@Dohyyan_suliman