محمد أحمد بابا

الحذاء المستعمل

الاحد - 21 مايو 2017

Sun - 21 May 2017

من أسراري المفشاة أنني أبذل وقتا وجهدا مضنية لأجد جزمة - أجلكم ربي - أستطيع التواؤم معها والمشي بها، وذلك بسبب رجلي التي أعيت كل صناع الأحذية وإسكافيي العالم، لأشعر بلا شك بأصحاب الهمم العالية أكثر من غيري.



قادتني هذه الحالة في مراحل حياتي إلى:



- أن أهجر الجزم وأستبدلها بالشبشب والنعال لسهولة الخلع واللبس ولكن ذلك أثر على رجلي صحيا حتى أبت أن تستلطف شبشبا ولو كان لدورة المياه.

- أن أتمسك بماركة معينة من الجزم وجدتها مناسبة لرجلي، فوجدت نفسي لأكثر من عشر سنوات ألبس ذات الجزمة متنقلا بين اللون الأسود والبني، حتى تعبت نفسيتي في حال لا يتغير.

- أن أجرب عدة أنواع، ثم إذا عثرت على صيدي الثمين في جزمة حنونة، لاطفتها وتمسكت بها وحافظت عليها وأدخلتها معي لغرف البيوت، ومجالس الرجال وسرير النوم.



لكن هذه الحالات وهذه المعاناة أفرزت فصولا ومواقف طيلة حياتي ومنها:



- أن زملاء لي وأصدقاء سخروا مني وهم يرونني حريصا على إيجاد موقف آمن ذي هواء عليل لجزمتي، قريب مني في كل مناسبة أو دعوة أو سهرة.

- أن ابنتي لامتني على لبس جزمة فيها شبه من نعال الرياضيين البسطاء، فقلت لها بحزن وأسى: القدم وما يهوى.

- أنني في مناسبة خرجت ولم أجد جزمتي، فأصابني هلع وفزع من فقد رجله، وتمنيت لو أنني لم أحضر تلك المناسبة، حتى عاد من أخطأ ولبسها بها شاكيا منها ومن علامتها الفارقة من جراء استعمالي.

- أن ابن أختي واسمه (محمد) كاسمي استجاب لفكرة أن أجرب جزمته، فوجدتها مريحة مليحة لطيفة رقيقة أنيقة فوهبها لي، ثم قال سأشتري لك مثلها فقلت له لا فالعلة ليست فيها، بل في أنها مروضة مستعملة، ورجلي لا تقوى على ترويض الجديد.



وقلت لنفسي: بأن الحذاء كالدابة والسيارة يحتاج ترويضا وتمرينا ليلين للضعفاء مثلي، وأعجبني الشعب السوداني وهم يسمون الحذاء الذي يأخذ شكل الجزمة (مركوبا) ويتفاخرون بصناعته من جلود حيوانات مفترسة لتكون ركوبة كل امرئ على قدر قوته معنويا وماديا وجسديا.



عندها بحثت في بلدي عن سوق للحذاء المستعمل فلم أجد، رغم أن العالم كله فيه بيع المستعمل مشروع في كل الممتلكات، حتى الملابس والأحذية، فلماذا أضطر للسفر للخارج لشراء حذاء مستعمل.



@albabamohamad