محمد العوفي

البعد الاستراتيجي للاتفاقيات الاقتصادية بين الرياض وواشنطن

الاحد - 21 مايو 2017

Sun - 21 May 2017

البعد الاستراتيجي للاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين المملكة والولايات المتحدة أكبر بكثير من الأرقام التي بلغت 280 مليار دولار، هذا ما يفهمه العاقل الفطن والذكي، فهذه الاتفاقيات استثمارية الطابع طويلة الأمد، تعزز الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية، وستمهد لاتفاقيات مماثلة مع دول صناعية متقدمة، وهو ما ستكشفه الأيام لاحقا، وستكون مصلحة الاقتصاد السعودي ورؤيته وتحوله طرفا مهما في حسابات هذه الاتفاقية، يؤمل أن تسهم في نجاح المساعي الرامية لتنويع اقتصادها، وتوفير مئات الآلاف من الفرص الوظيفية.



الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة شملت مجالات متعددة: الصناعات العسكرية، والتجارة والطاقة والبتروكيماويات، والاستثمار في التقنية، وتصنيع المنتجات عالية القيمة، والتعدين وتطوير القوى البشرية، والاستثمارات الصحية، والنقل الجوي، والرقمنة والاستثمارات العقارية، وجميعها مجالات تحتاجها الرياض لخلق اقتصاد متنوع وقوى ومتين بعيدا عن قبضة النفط وتقلبات أسعاره، وتعزز فرص بناء شراكة استراتيجية اقتصادية متينة، وتعزز الثقة في الاقتصاد السعودي.



بعيدا عن الحسابات السياسية التي لا تقل أهمية عن الحسابات الاقتصادية، فالاتفاقيات الاقتصادية تقرأ من زوايا متعددة من بينها زاوية الأرقام، سيما أن لغة الأرقام أكثر تأثيرا وقوة كونها تملك ما لا تملكه الخطابات والعبارات العمومية والتقليدية، رقميا قيمة هذه الاتفاقيات بالحسابات السعودية لا يمكن إغفالها، إذ تتجاوز تريليون ريال سعودي، فعندما تستثمر نحو تريليون ريال في صناعات تحتاجها لسد الاحتياج المحلي كالصناعات العسكرية أو لتصدير منتجات أو للاكتفاء المحلي في صناعات معينة.. وغيرها، فإن العائد المالي والاقتصادي حتما سيتضاعف خلال السنوات القادمة، من خلال خفض فاتورة الواردات التي تتصاعد سنويا، وقد يفتح بابا لتصدير هذه المنتجات للأسواق المحلية، وإذا ما ربطت باستخدام منتجات الشركة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فإن العائد سيكون أكبر بكثير لأنها ستعمل على تنشيط الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي يتوقع أن تقود قاطرة النمو مستقبلا.



يضاف إلى ذلك أن التراخيص الجديدة التي منحت لـ 23 شركة ألزمت هذه الشركات خلال السنوات الخمس الأولى بتحقيق واحد أو أكثر من الشروط التالية: تصنيع 30% من منتجاتها الموزعة محليا في المملكة، وتخصيص 5% كحد أدنى من إجمالي المبيعات لتأسيس برامج بحثية وتطويرية، وتأسيس مركز موحد لدعم الخدمات اللوجستية والتوزيع وتقديم خدمات ما بعد البيع، وهو ما ينعكس إيجابا على الاقتصاد السعودي بشكل عام.



النقطة الأخرى، أن هذه الاتفاقيات ستسهم في تخفيض نسب البطالة في السعودية التي تجاوزت 12%، لأن الشركات الأجنبية التي ستمنح رخص الاستثمار بناء على هذه الاتفاقية ستكون ملتزمة بنسب التوطين المحددة وفق أنظمة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وبالتالي فإنه وفق تصريح وزير التجارة والاستثمار ماجد القصبي يتوجب على هذه الشركات تعيين مواطنين سعوديين في مناصب قيادية خلال السنوات الخمس الأولى من عملها في السوق السعودية، كما ستلزم بتدريب أكثر من 30% من المواطنين السعوديين.



النقطة الثالثة، في مؤازرة لهذه الأرقام، فإن هذه الاتفاقيات تؤكد مجددا الثقة الكبرى التي يضعها صانعو القرار الاستثماري الأمريكي في الحراك الاقتصادي السعودي الذي طور كثيرا من أساليبه في العامين الأخيرين، فلجأ إلى أسلوب المبادرة وقبول التحدي لتحقيق وتعزيز مكانة المملكة الاقتصادية كقوة اقتصادية، مما سيمهد لاتفاقيات وشراكات اقتصادية لاحقة سواء مع الأمريكان أنفسهم، أو مع دول متقدمة ستشجعها هذه الاتفاقيات لتحذو حذو الأمريكان في الاستفادة من برامج التحول والرؤية الاقتصادية التي ستوفر مئات الفرص للشراكات الاقتصادية.



mohdalofi@