الجرائم الالكترونية وفيروس الفدية

الأربعاء - 17 مايو 2017

Wed - 17 May 2017

الثورة التقنية الحديثة استفاد منها البشر وسينهل ويستفيد منها كل المجتمع بكافة قطاعاته. ولكن هذه «النعمة» قد تصبح «نقمة» بسبب بعض مرتكبي الجرائم الالكترونية. هؤلاء المجرمون يطلق عليهم مجرمو «الياقات البيضاء» لأنهم جميلو المنظر ونظيفو المظهر، ويبدون في لباسهم الأبيض كملائكة الرحمة ولكنهم عكس ما يظهرون تماما. ومن هنا تأتي الغفلة منهم وعنهم.

وهذا النوع الضال والضار من البشر، ينطبق عليه قول الشاعر: «كلما أنبت الزمان قناة ركب المرء في القناة سنانا». ومن هذا القول المأثور، كلما ينبت الزرع قناة جميلة وبدلا من الاستفادة من هذه القناة في الأكل والبناء والتعمير، هناك من يضع فيها السنان للطعان والاقتتال والفناء.

ومن مثل هؤلاء البشر يأتي مجرمو الجرائم الالكترونية السبرانية، الذين يعملون بدهاء ماكر في الخفاء، ويبحثون عن تحقيق أهداف سوداء تضر بالآخرين وتنغص عليهم حياتهم الآمنة. ومنذ أيام قليلة يعيش العالم، كل العالم، في هلع وفزع بسبب فيروس «الفدية» أو «الرانسوم وير». وهذا الفعل من الجرائم «السبرانية» الالكترونية مؤذ للبشر ولكل قطاعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وهذا الفيروس الفتاك هدد ويهدد كل الدول حتى المتقدمة تقنيا وعلى رأسها أمريكا، حيث توقفت البنوك والمصانع، وبريطانيا حيث تم قفل المستشفيات وعدم قبول المرضى لتأثر الأجهزة والبيانات الالكترونية الطبية بالفيروس، وفي إسبانيا تم إيقاف الطيران. وهذا المشهد المحزن نجده الآن ونلاحظه في كل أطراف الدنيا، وفي كل مفاصل الحياة، حيث تمكن الفيروس اللعين من غزو كل الأسوار الحصينة بالحيطان النارية وتعطيل الأجهزة عن العمل اليومي الذي تعودنا عليه، بل أدمنا الاعتماد عليه ولا نتحمل الابتعاد عنه.

مرتكبو جريمة استخدام وإطلاق فيروس الفدية خططوا بنية سوداء، وارتكبوا الفعل الأسود الابتزازي طمعا في المال. ويسمى فيروس «الفدية» أو «رانسوم وير» لأنهم يطلبون مبلغا من المال كفدية في حدود 300 ألف دولار، وبعد تحصيلهم هذه الدولارات يرسلون رسالة للمستغيث مدونا بها معلومات لفك شفرة الفيروس وقتله في مهده.

من دون شك، فإن فوائد الثورة التقنية الالكترونية الحديثة لا تحدها حدود، خاصة وأنها تملأ كل أرجاء الدنيا وتزحم أثيرها في كل الفضاء. ولكن الجريمة الالكترونية، بكل أسف، تلقي بظلالها الكئيبة على هذا التطور الذي استفادت منه البشرية وارتفعت عبره إلى المعالي ونحو التقدم المضطرد في كل المجالات بسبب هذه التقنية التي لا تحدها الحدود وتملأ كل الفضاء الأثيري.

ومن المعلوم، أن الجريمة بدأت مع بداية البشر، وهي في كل مكان وكل زمان، وقد تأتي من حيث لا يحتسب لها، ولذا يجب الحذر من كافة الجرائم، وبصفة خاصة، من هذه الجرائم الحديثة التي تضر المجتمعات أبلغ الضرر وتضربها في مقتل بدون هوادة، ولذا تم إصدار قوانين خاصة لمكافحة الجريمة السبرانية الالكترونية، وهذه القوانين الحديثة تتناول تعريف هذه النوعية من الجرائم مع التشدد في معاقبة مرتكبيها ومن يساعدهم وكل من يدور في دائرتهم.

وفي هذا تطور تشريعي محبذ، بل مرغوب، ويجب أن يظل هذا التطور مستمرا ويقظا، لأن التقنية الالكترونية تتطور بسرعة البرق وتأخذ شكلا جديدا وأبعادا مغايرة في كل يوم، بل في كل لحظة. ولهذا، فإن التشريعات الخاصة بهذه الجرائم يجب أن تكون شاملة ومتطورة للدرجة التي تغطي هذه السرعة بكفاءة تامة، وإلا فإن الجريمة ستنتشر وتملأ كل الأصقاع وتهدد حياتنا. إن التشريعات السارية والخاصة بمكافحة الجرائم الالكترونية، تتناول بالتفصيل كافة الجرائم الخاصة بنظم ووسائط وشبكات المعلومات، والجرائم الخاصة بدخول المواقع وأنظمة المعلومات المملوكة للغير، والجرائم الخاصة بدخول المواقع وأنظمة المعلومات من موظف عام مؤتمن عليها بحكم عمله، والجرائم الخاصة بالتنصت أو التقاط أو اعتراض الرسائل، والجرائم الخاصة بدخول المواقع عمدا بقصد الحصول على بيانات أو معلومات أمنية، والجرائم الخاصة بإيقاف أو تعطيل أو إتلاف البرامج أو البيانات أو المعلومات، والجرائم الخاصة بإعاقة أو تشويش أو تعطيل الوصول للخدمة. وكذلك تشمل كل الجرائم الواقعة على الأموال والبيانات والاتصالات بالتهديد أو الابتزاز، والجرائم الخاصة بالاحتيال أو انتحال الشخصية أو صفة غير صحيحة، والجرائم الخاصة بالحصول على أرقام أو بيانات بطاقات الائتمان، والجرائم الخاصة بالانتفاع دون وجه حق بخدمات الاتصالات، وغير هذا من الأفعال الالكترونية الإجرامية، كجرائم النظام العام والآداب، وتشمل إنشاء أو نشر المواقع بقصد ترويج الأفكار والبرامج المخالفة للنظام العام أو الآداب أو انتهاك المعتقدات الدينية أو حرمة الحياة الخاصة أو إشانة السمعة. وجرائم الإرهاب والملكية الفكرية التي تشمل إنشاء أو نشر المواقع للجماعات الإرهابية. وجرائم نشر المصنفات الفكرية وجرائم الاتجار في الجنس البشري والمخدرات وغسل الأموال والاتجار في الجنس البشري. وجرائم الاتجار أو الترويج للمخدرات أو المؤثرات العقلية وغسل الأموال.. إلخ.

وكما نلاحظ، فإن التشريعات الخاصة بمكافحة ومجابهة الجريمة الالكترونية، تقريبا، شاملة وشافية وبهذا فإنها ستضرب كل مرتكبي هذه الجرائم وبشتى أشكالها وأنواعها التي تتناولها التشريعات. وهذا الأمر، له دلالة واضحة للوقوف بصلابة في وجه هذه الجرائم الخبيثة وكل من يرتكبها ويحوم في حرمها.

ومثل هذه التشريعات الحديثة تكبح جماح الجريمة الالكترونية ولكنها لا تقضي عليها تماما، ولذا على كل فئات المجتمع العمل بيد واحدة لقفل الأبواب في وجه هذه الجرائم حتى لا تجد لها سبيلا أو مكانا للعيش بيننا. ووقفة المجتمع في وجه الجريمة الالكترونية تعزز من الدور الذي تلعبه التشريعات وتعضدها حتى تتحقق الغاية المنشودة. وهذا مطلوب من الجميع، حتى يعيش العالم في سلام من كل الجرائم، وخاصة الجرائم الالكترونية الحديثة لأنها خبيثة ومدمرة وأكثر ضررا، وتمنع تقدم المجتمعات وتغض مضجعهم الآمن.. والأمن أساس الحياة و«نعمة» يجب الحفاظ عليها من أجلنا ومن أجل الأجيال القادمة.