وزير يعتذر مرتين!

الأربعاء - 17 مايو 2017

Wed - 17 May 2017

ربما يكون هذا ثاني مقال إيجابي أكتبه، وربما يكون الأول لكن يستحيل أن يكون الثالث، لا أذكر أن كنت قد كتبت بين أكثر من 300 مقال ما هو إيجابي عن مؤسسات الدولة ومسؤوليها أو عن المجتمع، ولا أخفيكم يلومني كثر في ذلك. واليوم أثبت لمن لام ومن يلوم أن المسألة ببساطة الحال تكمن في ندرة الأخبار المتميزة والقصص المشرفة (الاستثنائية بطبيعتها) والتي تستحق أن يخصص لها مقال رأي يقاس عليه ويقارن به. وهنا لست أتحدث عن قصص النجاح فهي بكل تأكيد موجودة وكثيرة، وهذه يتم سردها في إعلان أو خبر صحفي، وبالتميز والنجاح حتما لا أقصد من طالتهم تعيينات حكومية أو امتيازات قبلية، ولا من لم تطلهم عراقيل حكومية أو اجتماعية. ولا يجب أن تقع تلك القصص ضمن إطار مقالات الرأي التي يتأمل منها أن تناقش قضية جدلية أو تنتقد ظاهرة سلبية أو تعالج سلوكا غير سوي أو غير صحي أو تطرح حلولا وبدائل، وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون محتواها سلبيا من باب النقد وفي نفس الوقت فالهدف إيجابي من باب النقد البناء.



قصة الوزير التي أستشهد بها اليوم، فعلا استثنائية وفريدة من نوعها حد الغرابة، وحد استفزازي للكتابة عنها. يحكيها لي موظفون عملوا تحت إدارته في مرحلة ما، وبريق أعينهم وهم يتذكرونه ويعددون فضائله، ويروون قصصا من حياته في الإدارة، كان تقابله الدهشة الظاهرة على ملامح وجهي. مما قالوه، إنه كان دائما ما يردد عبارات تعبر عن ثقته بمن يعملون في إدارته من كبيرهم لصغيرهم، لدرجة أنه كان يوحي للآخرين أن أي عمل أو قول يصدر من موظفيه يعبر بالضرورة عنه وعما يريد هو نفسه أن يقوله ويعمله لأنهم ببساطة مسؤوليته كونهم تحت إدارته، ولأنهم جميعا يعملون برسالة واضحة وتوجه موحد وتواصل دائم وشفافية مطلقة.



كانت أول مرة أشعر بأن «سياسة الأبواب المفتوحة» مفهومة ومطبقة على الوجه الصحيح وليست مجرد شعار يكتب على مواقع المؤسسات الالكترونية وفي كتيبات التعريف والتوظيف. كان ذلك الوزير يعتذر إن أخطأ ويطلب السماح من موظفيه، لكم أن تتخيلوا أن وزيرا من وزراء الدولة قام ذات يوم وبأسلوب مازح بتوبيخ موظف بسيط وسط اجتماع، وسرعان ما انتهى الاجتماع اعتذر له بصدق ولم يكتف بذلك ـ مع أن الموظف البسيط طار باعتذاره فرحا وسامحه بكل سرور ورضا ـ لكنه مع ذلك كرر اعتذاره له وسط جميع من وبخه أمامهم في أول اجتماع تلاه!



لم أسمع مواطنا أو موظف دولة يذكر وزيرا في تاريخ الوزراء بمثل ما ذكر هؤلاء ذلك الوزير، وأستثني من قولي هذا وزراء مثل الراحل د. غازي القصيبي ود. توفيق الربيعة، والذين لم أسمع من موظفيهم، لكن وصلني كما وصل غيري أثر عملهم وإخلاصهم. تمنيت لو أننا أمة تستنسخ الاستثنائيين من أفرادها بتمكينهم، تخيلت لو كان القرار في كثير من قضايانا بيد أشخاص مثل هؤلاء.



tamadoralyami@