مرزوق تنباك

فضاء الوطن

الثلاثاء - 16 مايو 2017

Tue - 16 May 2017

كيف نتغير، أو لماذا نتغير؟ لا يحتاج أن نسأل هذا السؤال، فالتغيير طبيعة الحياة، ولا يوجد شيء ثابت لا يتغير. كل حي لا بد له من حالة يتحول فيها ويتغير منها، والذي لا يتغير هو الجماد الذي لا نفع فيه. إذن هذه مسلمة، بل ضرورة حيوية. وهذا السؤال نخلص منه سريعا ونتجاوزه إلى غيره حتى لا نطيل الحديث في البديهيات التي يعرفها ويدركها الناس في الواقع، ولا يختلفون حول أهمية تبدل الحال وتغيره على أي حال كان.



الإجابة يحفها كثير من الاحتمالات وكثير من المفارقات، فهناك طرق ومناهج وآليات يسلكها من يريد التغيير، ويخطط لها ويعرف ما يريد منها، والتغيير حركة ومسالك لا تكون واحدة، ولا تكون مضمونة نتائجها، وعلى من يحاول التغيير أن يحدد أهداف التغيير بدقة متناهية حتى تكون الغاية منه واضحة في الأذهان، وأن يكون لدى الراغبين في التغيير تصور صحيح للمراد منه وموجباته وأهدافه لكي يحقق المطلوب منه.



وكذلك تكون الخطة واضحة بكل تفاصيلها، لأن أي تغيير لا ترسم خطواته بالدقة والوضوح والبيان اللازم قد يكون البقاء على الحال الأول خيرا منه. رغم أن الإنسان في تغير دائما لكن القليل من الناس هم الذين يدركون معنى التغيير الإيجابي، ويعرفون ما يريدون في ثباتهم وفي تغيرهم، ويحسنون التخطيط وماضون فيه، ومدركون لما يترتب عليه من حسنات يحققها التغيير، وحتى سيئاته وأخطاره توضع في الحسبان أيضا.



أما الذين يسيرون إلى التغيير بعيون مغمضة فقد يقعون في مزالق وأخطاء فادحة. ونحن قد مررنا بمحاولات كثيرة للتغيير حقق بعضها النجاح وأثمر خيرا، ومني أكثرها بالفشل، وهذا الأمر يجعلنا نفكر مليا بإمكانات التغيير وشروط نجاحه وتحقيق أهدافه. ولا أريد أن أكون مثبطا وأشير إلى محاولات وأفكار ومقترحات سبقت ولم تنجح ولم تؤت ثمارها، بل كان بعضها ضارا عكس ما أريد منه، والآن نترك الماضي ونتحدث عن الحاضر وعن أدوات التغيير الناجح ولوازمه التي نحتاج إليها:



أولا: قانون صارم وواضح وشفاف يحدد مسؤوليات الأفراد والمؤسسات، ويعرف كل فرد ما له وما عليه ودوره المطلوب منه في أي موقع كان، فمن معوقات التنمية فيما مضى عدم تحديد الأولويات، وغموض القانون الذي يضمن الحقوق ويحدد المسؤوليات، وصعوبة تطبيق ما وجد منه، واعتماد الكثير منها على الاجتهادات الفردية التي قد تصيب وقد تخطئ، وفقدان عمل الفريق المتضامن الملتزم في خطط واضحة محددة.



الثاني: تحطيم أسوار الفساد وشن حرب صادقة على كل من تدور حوله شبهة فساد مهما كانت مكانته ومهما قل فساده أو كثر، وكشف المخبوء منه، ومعاملة المفسدين بجرائمهم أمام قضاء عادل ينصف المجتمع، ويحفظ للمال العام حرمته وسلامة مصارفه ونقاءه، فلا يمكن أن ينجح عمل لا يتخلص من مستنقعات الفساد وما يدور حولها من حشرات تحمل أمراضا معدية ضارة بالوطن وأهله. وأهم تغيير يمكن أن يحدث هو تغيير بعض القناعات وبعض المسلمات، وإفساح المجال للآراء الجديدة حتى وإن لم تكن مما عهدنا وعرفنا، وإتاحة الفرصة لكل أبناء المجتمع ليعملوا وينتجوا ويشاركوا في قطار التنمية.



والثالث والأهم: النظر إلى فضاء الوطن الواسع واختيار القدرات الوطنية والقيادات التنفيذية العليا القادرة على التصور الحقيقي والنظر إلى الأفضل ومن كل أطياف المجتمع، والخروج من دائرة المعارف والأصدقاء والدوائر المغلقة إلى فضاء الوطن الكبير بأبنائه المؤهلين الأكفاء، والبحث عنهم وتمكينهم من خدمة الوطن، وتحجيم سطوة المحسوبيات التي لم يعد من المناسب استمرارها في وقت يحتاج الوطن لجهود كل العاملين المخلصين من أبنائه وبناته ومن أهله جميعا.





Mtenback@