محمد العوفي

الحاجة إلى مراكز الأبحاث المتخصصة

الاثنين - 15 مايو 2017

Mon - 15 May 2017

غياب مراكز الأبحاث المتخصصة بمجالاتها المختلفة نتاج طبيعي لعدم الاهتمام بالبحث العلمي وضعف الإنفاق عليه، وغياب الإيمان بهذه المراكز كصانع للاستراتيجيات والسياسات العامة والاقتصادية والمالية والصحية، وغيرها، رغم أهميتها كمولد للأفكار وعلاج لكثير من المشكلات الاقتصادية وغير الاقتصادية القائمة، لأنها تعنى بدراسة القضايا والمشكلات المجتمعية وتحليلها ثم تقدم الرؤى والطروحات التي تعالج هذه القضايا.



وغياب الإيمان بأهمية مراكز الأبحاث المتخصصة ودورها في صناعة السياسات العامة وصياغة الخطط الاستراتيجية شكل عقبة رئيسة أمام تبني تأسيسها وتوجيه بوصلة الإنفاق إليها، ولا سيما أن تأسيس مثل هذه المراكز يتطلب إنفاقا مرتفعا على معامل البحوث المتخصصة، واستقطاب الباحثين، وبناء الفرق البحثية المحلية، وتحتاج إلى وقت طويل لتؤتي أكلها، وهو ما يتناقض مع حجم إنفاقنا على البحث العلمي بمختلف مجالاته، والذي لم يصل إلى 1% من الناتج الإجمالي، وهي نسبة ضعيفة جدا إذا ما قورنت بحجم الإنفاق العلمي في أوروبا الغربية وأمريكا وسنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان.



مراكز الأبحاث المتخصصة عامل رئيس في تحقيق الريادة، وما وصلت إليه الدول المتقدمة من تقدم وتطور وتنمية كانت اليد الطولى فيه لنتاج هذه المراكز، فالعلاقة طردية بين حجم الإنفاق على المراكز البحثية والريادة في كل المجالات العلمية والصناعية والاقتصادية، وفي مثل حالتنا، فإن تحقيق الريادة التي نسعى لها لن يأتي إلا بوجود مراكز أبحاث وتطوير مستقلة ومتخصصة تسهم في دراسة مشاكلنا، ومعرفة الأسباب الكامنة خلفها، وبلورة الرؤى والمقترحات العلمية المتعلقة بها، ووضع الحلول المناسبة لها من ناحية، والمساهمة في دعم اقتصاد المعرفة، وتحقيق قفزة كبيرة نحو العالمية، تضع المملكة في مكانة عالمية متقدمة للحاق بركب التطور العلمي والتقني والصناعي واختزال الهوة البحثية والعالمية بينها وبين الدول المتقدمة من ناحية أخرى.



فما أحوجنا لبناء مراكز بحثية متخصصة في جميع المجالات العلمية والصناعية والاقتصادية، ولعل مركز الأبحاث الطبية المتخصص الذي كشف عنها وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة يكون نواة تأسيسية لمثل هذه المراكز، وأن يساير تأسيس هذه المراكز الاهتمام بخطة التحول الوطني2020، ورؤية السعودية 2030 باعتبارها جزءا من أساسيات النجاح، وأحد الدلائل الهامة على تطور الدولة وتقييمها للبحث العلمي واستشرافها آفاق المستقبل، وعنوانا للتقدم وأحد مؤشراته في التنمية.



قد يحتج البعض بأن لدينا ما يزيد على 100 مركز بحثي وكراسي أبحاث في الجامعات السعودية، لكن السؤال، هل تنطبق عليها مقومات المراكز البحثية المستقلة، ومقومات ومراكز التفكير «Think Tanks»، الإجابة بالطبع لا، لذلك لا نجد لها دورا في صناعة القرار بعكس ما هو سائد ومعروف عن دور مراكز الأبحاث في المجتمع الغربي التي أصبحت جزءا من مركز صناعة القرار وتساهم في برمجة الكثير من السياسات والاستراتيجيات العالمية على جميع المستويات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والتربوية.



الانتفاضة الاقتصادية التي نمر بها حاليا يفترض أن ترافقها انتفاضة أخرى تؤسس لمراكز أبحاث متخصصة تشارك فعليا في صناعة القرار كمولد للأفكار والخطط الاستراتيجية، وتسهم في برمجة الاستراتيجيات لا أن تتركها للاجتهادات الفردية والتجارب الشخصية.



mohdalofi@