حينما يلقبك ملك بالملك

الاحد - 14 مايو 2017

Sun - 14 May 2017

السديري الذي كان الوجه المرادف لصحيفة الرياض بل وللصحافة عموما في أذهان الناس؛ كان كذلك نموذجا حقيقيا سجل له التاريخ إنجاز تحويل صحيفة إلى مؤسسة إعلامية متكاملة؛ وقد بدأ ذلك في وقت مبكر لم يكن أحد يملك فيه تصورا تجاه أن تكون الصحيفة كيانا ثقافيا وجزءا من حياة المجتمع؛ وشريكا في تطور الأعمال والاقتصاد.



وخلال 41 عاما من العمل الصحفي؛ استطاع السديري الذي دخل ميدان الصحافة عبر ملاعب الكتابة الرياضية أن يطبق أسلوبا صارما في تسجيل الأهداف المهنية الكفيلة بتعزيز دور السلطة الرابعة وتأثيرها في وقت كانت فيه هي الوجهة الأولى للقراءة والاهتمام؛ وفيما كانت هذه التجربة تخلق صورها النمطية لدى بعض المنتمين للمهنة؛ كان الرجل واضحا في توضيح أسلوبه.. (ليست ديكتاتورية.. إنها جدية في الإدارة).



الصحفي لا يتقاعد حتى ولو حاول ذلك.. هذا ما أثبتته تجربة أبي عبدالله الذي لم يكن متمسكا بالمهنة بقدر ما كانت جزءا مرافقا له ومتمسكا به؛ فقد ظل حتى أيامه الأخيرة متابعا لشؤون صحيفته في أدق تفاصيلها.. وهو الذي أرجع ابتعاده عن الصحيفة قبل عامين إلى متاعب التقدم في السن.. ولكنه في الوقت نفسه قال إن هذا لم يمنعه من الوجود يوميا في الصحيفة لدعم قياداتها بخبرته وفكره ورأيه؛ وهو الذي ظل مؤمنا بأنه لا كبير أو صغير في عالم الصحافة؛ فالتجربة الطويلة فيها لم تزده إلا شغفا بها.



(دون نصك.. دون نفسك) هكذا خاطب الدكتور عبدالله الغذامي الراحل بلغة تشدد على أهمية تدوين تلك السيرة الصحفية لتكون بمثابة الدليل للصحفيين والباحثين وربما المهتمين بمجالات الإدارة والفكر المؤسسي؛ في وقت أتاحت فيه زاوية لقاء الشهيرة الكثير من أفكار السديري التي ميزها الحس الوطني وإبراز التطور الذي عرفته المملكة؛ والدعوة المستمرة إلى مواكبة التطور في مختلف المجالات، وهذا الجانب تحديدا برز بشكل واضح لدى السديري الذي انتقد الصحف حين لا تستطيع صنع التغيير في عامها الأول.



غادر السديري الذي ظل ينظر ببساطة لأولئك المختلفين معه على نحو بالغ التعقيد؛ الذي لا يمانع نشر مقال جريء فقط لتحقيق مبدأ الانتصار للرأي كقيمة من قيم الصحافة؛ وهو الاتجاه الذي تبناه رؤساء التحرير وقيادات الصحافة والمجالات الإعلامية فيما بعد.



والتقى الراحل خلال حياته الكثير من رؤساء الدول، والذي عرف بتحليله السياسي وكان الضيف الأكثر تفضيلا للقنوات حين يتعلق الأمر بأخذ رأي الصحافة في حدث وطني أو عالمي مهم، والذي يتم الاتفاق عليه - بحكم العرف - كرئيس لأي كيان صحافي أو مشروع إعلامي..



تزكية بدهية منحها له تاريخه وباركها الإعلاميون الذين نعوه كما ينعى أب لهم.



رحيل بعض الأشخاص قد يوازي نهاية حقبة كاملة؛ وأمر كهذا يمكن تطبيقه على شخصيات بحجم تركي السديري الذي ترك خلفه تجربة محورية في تاريخ الإعلام السعودي؛ ومنجزات قد يكون أهمها أنه نال لقب (ملك الصحافة).. وكان ذلك من الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله.

الأكثر قراءة