بسام فتيني

الطلة الأولى

راصد بلا مرصد
راصد بلا مرصد

الاحد - 14 مايو 2017

Sun - 14 May 2017

ولأن الحياة محطات، فمحطة تجربة شيء جديد، تمثل الطلة الأولى للشعور البشري الفطري اللذيذ دون أي تدخلات! ولربما كان السطر السابق يمثل (فلسفة) فيها تعقيد، ولكي نبتعد عنها (أي الفلسفة) تعالوا معي وتذكروا أول لحظات الفرح حين تحقق لكم شيء ما للمرة الأولى لتتذوقوا طعم (الطلة الأولى).



أنا مثلا حين كنت صغيرا ما زلت أذكر لليوم شعوري بلذة الانتصار حين خلعت (عجلات) دراجتي الصغيرة الجانبية وانطلقت لأول مرة أتجول في سطح منزلنا القديم بدراجة (على عجلتين فقط)! نعم صدقا ما زلت أذكر ذلك الشعور جيدا وكانت لذته تتمثل في أنني عشت الطلة الأولى، وأنتم مثلا أتذكرون اللحظة الأولى التي تلقيتم فيها نبأ تحولكم فيها إلى أب أو أم؟ أو إلى جد أو جدة؟ أتذكرون اللحظة الأولى التي سجدت جباهكم على بلاط الحرم المكي البارد في عز الصيف؟ أتذكرون حين سمعتم أطفالكم ينادونكم لأول مرة (ماما.. بابا)؟ كل هذه اللحظات تمثل الطلة الأولى فلا تحرموا أنفسكم لحظة الشعور بها أبدا، أقول هذا وأنبهكم باستشعار طعم الطلة الأولى لأني لمست انشغالكم عن تذوق طعمها!



إن تصرفات اليوم المبرمجة تقنيا تجعلنا نهمل المشاعر العفوية وتخرجنا من معايشة الواقع إلى تصويره وتثبيته عبر السناب شات أو كاميرا الجوال! بالنسبة لي ما زلت أذكر جيدا اللحظة التي استلمت فيها وثيقة تخرجي في جامعة أم القرى، فقد مررت حينها بجميع أنواع المطبات الحياتية والبشرية والأكاديمية وكان علي لزاما أن أتعامل مع أكاديميين تقليديين تنظيريين يحفظون جيدا لكنهم لا يفهمون!



ما علينا، ونعود للسؤال/‏ يا ترى كم مرة فقدنا لذة طعم الطلة الأولى بسبب انشغالنا بتوثيقها؟ كثيرون مثلا تداولوا خبر إحالة مسؤول كبير للتحقيق وإقالته من منصبه، لكن كم شخص أدمعت عيناه وهو يستشعر قيمة هذا التصرف من أعلى سلطة في البلاد؟ كم شخص قال بينه وبين نفسه (أخيرا) تم تحقيق مبدأ المحاسبة والمعاقبة لــ(كائن من كان)! وبعد كل هذا، يتبقى لنا التفاؤل وأن ندعو الله بأن لا يحرمنا الطلة الأولى ومشاهدة صور الفاسدين واحدا واحدا تنشر في الصحف مع تلاوة أحكام عقابهم بقوة النظام وإعادة ما سرقوه من مال عام لخزينة الدولة، وعندها لن ولم ولا يمكن أبدا أن ننسى طعم الطلة الأولى لحفر قبر الفساد والفاسدين، فاللهم بلغنا هذا اليوم.. قولوا آمين.



bassam4071@