مخاطر قانونية تواجه الصيرفة الإسلامية

الأربعاء - 10 مايو 2017

Wed - 10 May 2017

مع بداية سبعينات القرن الماضي بدأ نشاط الصيرفة الإسلامية بدعم قوي وعزيمة أكيدة من بعض الحادبين على تطبيق الصيرفة الإسلامية لممارسة نشاطاتهم التجارية والاستثمارية والمصرفية عبرها. وبالرغم من حداثة المدة التي بدأ فيها نشاط الصيرفة الإسلامية، إلا أن هذا النشاط سارع الخطى وبدأ يتقدم الصفوف في شتى الأركان والاتجاهات. بل إن العديد من الدراسات والبحوث تشير إلى أن نسبة نمو الصيرفة الإسلامية لا تقل عن 20 إلى 25%، وهذه نسبة عالية جدا تفوق التوقعات وتدلل على أهمية مكانة الصيرفة الإسلامية ضمن منظومة الاقتصاد العالمي.

وبالرغم من هذا النمو المتسارع الخطى، إلا أن هناك العديد من المخاطر القانونية، وغيرها من المخاطر، التي تواجه مسيرة تقدم العمل المصرفي الإسلامي. من الصعوبة حصر كل المخاطر القانونية، في هذه العجالة، ولكننا سنتطرق إلى أهم المخاطر القانونية التي نرى أهميتها مما يستدعي النظر في كيفية التعامل الآني معها والتصدي لها للدرجة التي تقلل من انعكاساتها السلبية على الصيرفة الإسلامية.

في معظم بل غالبية العقود المصرفية التي تبرمها المصارف الإسلامية مع الجهات الأخرى وخاصة الأجنبية منها، وفي ما يتعلق بالفقرة التي تتناول «القانون الواجب التطبيق على العقد»، نلاحظ أن هذه الفقرة تشير إلى أن «القانون الواجب التطبيق على العقد هو القانون الإنجليزي شريطة ألا يتعارض مع أحكام الشريعة الغراء». وفي هذا النص تكمن المخاطر القانونية، وذلك بسبب النص الواضح بأن القانون الواجب التطبيق هو القانون الإنجليزي ثم الاستمرار في النص وربط تطبيق القانون الإنجليزي بعدم التعارض مع أحكام الشريعة السمحة الغراء. وفي رحم هذه الصياغة توجد مخاطر قانونية قد تجابه المصرف الإسلامي.

إن المخاطر القانونية، تنشأ لعدة أسباب خاصة، من ضمنها سوء صياغة العقد أو عدم وضوح الصياغة أو تعرضها لعدة تفاسير أو احتمالات متنوعة، أو تعريض الطرف أو الأطراف للمساءلة القانونية أمام المحاكم أو غيرها من الجهات العدلية، أو الاختلاف بين طرفي العقد أثناء تنفيذ العقد وفي أية مرحلة من مراحله، أو غير هذا من الأسباب الظاهرة أو المحتملة. وإذا برزت أو تم إثارة أي من هذه النقاط يدخل الطرف في المخاطر القانونية لأنه قد يؤخذ للمحاكم وفيها قد يخسر بدلا من أن يربح أو يستفيد بأي شكل من العملية المصرفية.

بالنسبة للنص الخاص باختيار القانون الإنجليزي ليكون هو القانون الواجب التطبيق على العقد شريطة ألا يتعارض مع أحكام الشريعة الغراء، فإن المصرف الإسلامي قد يتعرض لمخاطر قانونية إذا تم الذهاب للمحاكم، وهذا ما حدث فعلا في السابقة القضائية الشهيرة الخاصة ببنك الشامل الإسلامي في البحرين.

وفي هذه القضية قام البنك بتقديم تسهيلات مالية كبيرة لشركات أجنبية وأثناء سير العقد اختلف الطرفان وتم رفع الخلاف للمحكمة الإنجليزية بلندن. وأمام المحكمة، برزت المخاطر القانونية ضد البنك، وقال القاضي إن النص الخاص بتطبيق القانون الإنجليزي على العقد شريطة ألا يتعارض مع أحكام الشريعة الغراء غير واضح وغير كاف خاصة في ما يتعلق بالفقرة الإضافية التي تقول «شريطة ألا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء....»، المحكمة قالت في حيثياتها إن أحكام الشريعة الإسلامية غير واضحة لها للدرجة الكافية التي تمكنها من معرفة هل القانون الإنجليزي يتعارض معها أم لا؟ وقالت إن بنك الشامل كان عليه تقديم المزيد في العقد لتوضيح أحكام الشريعة الإسلامية الواجبة التطبيق على العقد.. ومن هنا يبرز بجلاء، أن النص القانوني في العقد الذي أبرمه المصرف الإسلامي يحمل في رحمه المخاطر القانونية.. وهذا ما حدث، لأن القاضي قال هذا ولم يلتفت أو يتقيد بالنص لأنه غير واضح وغير كاف للدرجة التي تمكنه من تفسير أو تحديد رغبة أطراف العقد في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.

كما يبدو فإن هذه نقطة بسيطة، ولكنها قد تخلق مشكلة قانونية حقيقية قد تنجم عنها المصاعب أو المصائب الكبيرة. وكل هذا كان من الممكن تداركه أو تخفيف آثاره إذا تمت صياغة كل بنود العقد بطريقة يفهم منها أن أطراف العقد يرغبون في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على هذا العقد.

وهذا كان من الممكن الوصول إليه بسهولة لأن «العقد شريعة المتعاقدَين» وإذا كانت نيتهما تطبيق الشريعة الإسلامية فإن هذه النية يجب أن نراها بين سطور العقد وأن نتحسس نبضها من بين فقرات العقد، ولكن بكل أسف، فإن القاضي في محكمة لندن لم يجد ما يساعده للوصول لهذه النتيجة ولذا صرف النظر عن الغوص للبحث في تفاصيل أحكام الشريعة الإسلامية الغراء والتي لا يعرف من أين يبدأ وإلى أين ينتهي بدون بعض التوجيهات الإرشادية المساعدة له، وفي هذا مخاطر قانونية غير محدودة المدى أو النتائج قد يتعرض لها المصرف الإسلامي.. وعلى المصارف الإسلامية الاستفادة من هذه السابقة القضائية الهامة حتى لا تواجه أية مخاطر قانونية أمام المحاكم.