الصناعة ليست مجرد خيار

الأربعاء - 10 مايو 2017

Wed - 10 May 2017

إن الصناعة لا غنى عنها للنهوض بالاقتصاد الوطني، ولتقليل المنتجات المستوردة التي تجاوزت 90% من الاستهلاك العام، وتوفير فرص عمل للمواطن، ولكي ‬نحتل مكانة صناعية متميزة تضعنا على خارطة الدول الصناعية الكبرى، ‬يجب أن نسعى لهذا الهدف والعمل وفق استراتيجية واضحة، فالدول الصناعية الكبرى أو النمور الآسيوية لم تصل لتلك المكانة إلا من خلال نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة. ولا شك أن نقل التكنولوجيا يمثل تحديا كبيرا أمام الدول النامية بشكل عام والمملكة بشكل خاص، لاسيما أن الدول المتقدمة لديها تحفظ في نقل التقنية والتكنولوجيا للدول النامية، لأنها ترى أنها وصلت إلى هذه التكنولوجيا بعد دراسات وأبحاث صرفت عليها المليارات، إضافة إلى أن بعض الدول المتقدمة لا تريد أن تنهض الدول النامية، حتى تستمر في كونها سوقا لمنتجاتها.

ولك أن تعلم أننا استوردنا نحو 981 ألف سيارة جديدة بتكلفة إجمالية قدرها 77 بليون ريال، أي ما يعادل 13% من إجمالي واردات البلاد، وفقا لمصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في عام 2012، وهو ما يشكل ضغطا كبيرا على ميزان المدفوعات، ولهذا تلجأ بعض شركات السيارات العالمية إلى تعطش بلادنا للتنمية الصناعية لزيادة أرباحها من خلال افتتاح فروع ببلادنا تحت مسمى نقل أو توطين الصناعة، وفي المقابل تحصل على امتيازات من بينها خفض نسبة الجمارك أو إزالتها، وقد تحصل على دعم مادي، وفي الحقيقة هذه الشركات لا تقوم بنقل التقنية أو تعمل على توطين الصناعة، ولكنها تعمل فقط على تجميع ما تم تصنيعه في الخارج من خلال فنيين معظمهم من الأجانب لعدم نقل أي جوانب فنية، إلا في بعض الحالات النادرة، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن كيف ننقل التقنية والتكنولوجيا الصناعية إلى بلادنا والهروب من خداع هذه الشركات التي لا تسعى إلا لتحقيق الأرباح؟

لعل الإجابة على هذا السؤال بسيطة للغاية، وهي أننا نستفيد من تجارب الدول التي حققت نهضة صناعية في وقت زمني قصير، فلك أن تعلم أن الشركات اليابانية خلال الفترة من عام 1951م وحتى مارس 1984م قامت بتوقيع 42.000 عقد لاستيراد التقنية لليابان من الخارج، وكانت تلك التقنيات تمثل خلاصة وأفضل ما توصلت إليه الدول المتقدمة، ومن المذهل أن ما دفعته اليابان مقابل كل هذه العقود لم يتجاوز مبلغ 17 مليار دولار أمريكي، أما الهند فقد اشترطت تصنيع نسبة معينة من المكون المحلي في بلادها كشرط لتقديم التسهيلات للصناعات التي في حاجة إليها لنقل التقنية، وأكبر مثال على ذلك أن الهند قامت بالتفاوض مع فرنسا على شراء 124 طائرة رفال بقيمة تقارب الـ12 مليار دولار، ولكنها اشترطت لإتمام الصفقة صناعة ما يقرب من 108 طائرات في مصانعها العسكرية، وهدف الهند من ذلك هو نقل تقنية صناعة الطائرات الحربية، ولذلك فإن نقل التكنولوجية لن يأتي منحة من الدول المتقدمة، ولكنه ينتزع مثلما فعلت هذه الدول التي كانت إلى حد قريب دولا متخلفة.

ولك أن تعلم أننا نحتل المرتبة الثالثة عالميا في حجم الإنفاق العسكري، بإنفاق يتجاوز الـ80 مليار دولار أي ما يقارب الـ(300 مليار ريال)، بنسبة زيادة في الإنفاق العسكري 21% في 2014، صحيح أن جزءا من هذه الأموال يتم إنفاقها على رواتب للجنود والضباط في القطاعات العسكرية، ولكن في المقابل يتم إنفاق عشرات المليارات سنويا في شراء الأسلحة وصيانتها وشراء قطع غيارها، ورغم هذا الإنفاق العسكري الضخم، إلا أنه لم يتم التفكير بشكل جدي في توطين الصناعة في هذا المجال، وكل المحاولات في هذا الإطار ما زالت على استحياء.

بالطبع ليس من المطلوب أن نصنع طائرات رفال الفرنسية أو طائرات إف 16 أو 35 الأمريكية في هذه المرحلة، ولكن على الأقل أن نشترط عند شراء هذه الأسلحة صناعة بعضها محليا، وتدريب بعض الفنيين من أجل توطين الصناعات العسكرية بشكل تدريجي، مثلما فعلت الدول التي كانت قريبة منا إلى حد كبير من الناحية المعرفية والتكنولوجيا، وإذا نجحنا في ذلك فسنوفر عشرات المليارات سنويا وآلاف الوظائف، ناهيك أن هذه الصناعات ستمهد الطريق لصناعات أخرى قد تتقاطع بشكل أو بآخر معها في التقنيات المستخدمة، فالصناعات العسكرية كانت مفتاحا للكثير من الاختراعات في العالم، كالحاسب الآلي والانترنت والأشعة الطبية وغيرها.

وأخيرا، فإن التوطين ونقل التقنية هما خيار استراتيجي، يجب الالتزام به على جميع المستويات لتحقيق الصناعة المنشودة، خاصة أن توطين الصناعة ليس مجرد خيار، بل هو مسؤولية اجتماعية ووطنية.