أحمد الهلالي

تحليل شعار كيف نكون قدوة؟!

الثلاثاء - 09 مايو 2017

Tue - 09 May 2017

اختيار الصيغة الإنشائية الاستفهامية اعتمد ربما على مقولة (السؤال مفتاح المعرفة)، فاختيار صيغة الإنشاء الطلبية تقتضي الإجابة، أفضل من اختيار الصيغة الخبرية التي لم تحرك في الناس ما يطمح إليه عقلاء مجتمعنا. وهذا الشعار (السؤال) يأخذنا في اتجاهين، الأول: استفهامي مباشر، عن الكيفية التي نكون بها قدوة للعالمين، والثاني: يميل إلى خلق استفهامات متعددة في المخيلة، بتعدد سلوكات الحياة التي تقتضي أن نكون قدوة، ثم تقتضي الإجابة (قولا وعملا) من المتلقين.



صار هذا السؤال (شهيرا) في منطقة مكة المكرمة وفي الوطن بعامة، وبدأت الجهات الرسمية والخاصة تتبناه في مناشطها، ما يوحي بمحاولات الإجابة على استفهاميته، فالمؤسسات الثقافية تكرس مفهوم القدوة في مناشطها، والصحية والتعليمية والإدارية والرياضية والخدمية حكومية وخاصة تحاول تطبيقه في منشآتها، حتى تصل الإجابة إلى المستفيد الأول (المجتمع)، الذي يظل السؤال العميق يتحرك خلاله ويحاول أفراده (ولو بعد حين) الإجابة عليه، فما دامت الجهات كلها تتآزر وتكرس جهودها للإجابة على السؤال عمليا، فإن تلك المحاولات سترتقي بما تقدمه إلى المجتمع، وهو بدوره سيقدر رقي التعامل، ويتعامل بذات الرقي، حسب درجات رضاه.



الاقتداء لا يكون إلا بالحسن المثمر المضيء دائما، فحين ورد في القرآن بصيغة الأمر (فبهداهم اقتده) ورد في صورة مشرقة، فلا يمكن لعاقل أن يقتدي بسيئ ضال، لذلك خلا السؤال من تمييز القدوة، فلم يصف القدوة التي يتساءل عنها لاعتبار ما تختزنه الذاكرة الجمعية عن (القدوة) وأن السيئين لا يقتدى بهم. أما بدايته بأداة الاستفهام (كيف) فعلامة بارزة أخرى على ذكاء الشعار في اعتبار المتلقي قدوة أصلا، لكنه يريد الكيفية الممنهجة المنظمة، والطريقة المثلى لإبراز هذه القدوة، وحتى تصميم الشعار فنيا اتكأ على تكبير (كيف) تأكيدا على هذا المعنى. أما استخدام الفعل المضارع (نكون) ففيه دلالة على الآنية والاستمرارية، بعد معرفة الكيفية، وصياغة الفعل بـ (نون) المضارعة في (نكون) مغزاها عميق، لأنه يشمل الجميع دون استثناء لأي اعتبار، فالجميع يجب أن يكونوا قدوة، فلو استخدم (تكون) ووجه إلى الفرد لخرجت الكيانات، ولشعر المتلقي بفوقية مطلق الشعار ووصايته، وإيمانه بالكمال.



لنكن قدوة بالفعل، فلا نحتاج إلى إمكانات ولا اختراعات، ويكفي أن يكون كل منا (فردا أو مؤسسة) قدوة في مجاله فقط، ولا يطلب منه الخروج إلى اختصاص الآخرين ولا الخطابة الإنشائية في توجيه الناس إلى الاقتداء بالمضيئين، بل يكفي أن يكون هو مضيئا بذاته حين يقدم نفسه (عمليا) أنموذجا حيا للقدوة في مجاله، لكل من يتماس معهم في الحياة، خادما لهم أو مخدوما.



ahmad_helali@