سليمان الضحيان

الإسلاميون وظاهرة أسلمة الحياة

الاثنين - 08 مايو 2017

Mon - 08 May 2017

(الإسلام) في تصور الخطاب الإسلامي المعاصر دين شمولي، كل شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية خاضعة لأحكامه، والحركات الإسلامية المشتغلة بالسياسة تطرح مشروعها السياسي انطلاقا من فهمها للدين كما يصوره الخطاب الإسلامي المعاصر، وهو مشروع شمولي يبشر بكنس الواقع بكل ما فيه، واستبداله بواقع إسلامي جديد، فالواقع المعاصر واقع جاهلي منفلت في كل جوانب الحياة فيه، ومهمة الحركة الإسلامية أسلمة هذا الواقع، أي: أسلمة الحياة، وبناء على هذا الفهم للدين راجت مصطلحات: (أسلمة العلوم)، و(الترفيه الإسلامي)، و(الأدب الإسلامي)، و(الغناء الديني)، و(الصيرفة الإسلامية)، و(البنوك الإسلامية)، فمن أين جاء هذا الفهم الشمولي للدين؟



أحسب أنه جاء من طريقين، طريق معاصر، وآخر تراثي، فأما الطريق المعاصر فإن بداية نشأة الحركات الإسلامية كان في زمن صعود الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفيتي، وإنشاء أحزاب شيوعية في البلدان الإسلامية، وكانت فلسفة الشيوعية شمولية تبشر بكنس الواقع الرأسمالي الإمبريالي، وتطرح التنظير الماركسي لكل شؤون الحياة، وكان لهذا أثر كبير على الحركات الإسلامية الناشئة آنذاك، فحذت حذو التنظيمات الشيوعية في الأيديولوجية الشمولية، والتنظيم الهرمي الاستبدادي الصارم.



وأما الطريق التراثي لفهم الدين على أنه شمولي فنشأ نتيجة احتكاك العرب بعد توسعهم بالفتوح بثقافات الشعوب وأديانهم، وقد نتج عن هذا نشوء نموذج التدين الأعجمي المخالف للتدين العربي (وقد سبق أن كتبت مقالا في هذا)، ومن مظاهر التدين الأعجمي الفهم الشمولي للدين، ولهذا راجت مقولة أحد علماء القرن الثاني «إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل»، أي إن كل شؤون الحياة مهما صغرت مربوطة بالنص الديني، وتسربت هذه النظرة إلى تنظيرات الفقهاء، فقد حاولوا تعميم شمول النص الديني لكل شيء، وقد نتج عن هذا تضخم سلطة الفقيه، ونزوع عامة الناس – كما نراه اليوم - لأخذ رأي الدين في قضايا لا علاقة لها بالدين كالسؤال عن رأي الدين بنوع قصة الشعر، ورأيه بالتهنئة بالعام الجديد، ورأيه بلون لباس العروس، ورأيه بدراسة لغة أجنبية، وغيرها من الأسئلة التي تبين عن رؤية الدين على أنه شمولي لكل مناحي الحياة.



والحق أن الإسلام لم يأت ليعمم أحكامه على كل مناحي الحياة، فما فصلت فيه النصوص الدينية فيما ليس من (بنية الدين الصلبة الثابتة) قليل جدا بالنسبة لما تركه عفوا خاضعا لتنظيم الناس ورؤاهم وتقاليدهم وعاداتهم وتنظيمهم، وقد عبر الأصوليون عن ذلك بقولهم: «الأصل في العادات والمعاملات الحل ما لم يرد فيها نص مانع»، وقد ورد نهي الله للمسلمين عن سؤال الرسول عن حكم شيء فيما لم يرد فيه نص، حيث قال تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم»، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية «لا تسألوا عن الشيء قبل كونه، فلعله أن يحرَّم من أجل تلك المسألة»، وكره النبي، صلى الله عليه وسلم، سؤال الناس له عن أشياء تركها الله عفوا خوفا من أن تفرض عليهم، حيث قال صلى الله عليه وسلم «إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته»، هذا في زمن الوحي، وهو بعد توقف الوحي يدل على كراهة إقحام الدين فيما لم يرد به نص بيِّن.



هذا الفهم العربي للدين، وأن مساحة ما تركه أضعاف ما نص على حكم فيه توارى مع الأيام كما ذكرت سابقا، وحل مكانه الفهم الشمولي للدين،

ويستدل أنصار هذا الفهم ببعض النصوص الدينية، كقوله تعالى: «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين» قال سيد قطب – وهو من كبار منظري الحركية الإسلامية المعاصرة – مستدلا بهذه الآية على شمولية الدين: «إنه التجرد الكامل لله، بكل خالجة في القلب وبكل حركة في الحياة...، بالشعائر التعبدية، وبالحياة الواقعية، وبالممات وما وراءه»، وإنما تفسير الآية بعد إدراكنا لمساحة المتروك أمره للناس: إن ما أمر الدين به في الحياة من أمور الدين - وخصص الصلاة والنسك لأهميتهما - أصرفهما لله مخلصا، وأموت حين أموت وأنا مخلص له في العبادة.



وبعضهم يستدل بقوله تعالى «ما فرطنا في الكتاب من شيء» على أن القرآن أبان عن كل شيء، فيقطع الآية عن سياقها، فالآية هي «وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب»، قال ابن كثير في تفسيرها: «أي الجميع علمهم عند الله، ولا ينسى واحدا من جميعها من رزقه وتدبيره، سواء كان بريا أو بحريا».



Dohyyan_suliman@