حتى لا تتحول الجامعات الناشئة إلى مدارس

الاحد - 07 مايو 2017

Sun - 07 May 2017

الجامعة مؤسسة أكاديمية بحثية تسعى لنشر العلم والمعرفة في مجالات متنوعة، وتحقيق احتياجات المجتمع عبر مناهج شاملة تعتمد على مصادر متعددة؛ ويعمل في الجامعة أساتذة مختصون يقومون بوظائف: التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع؛ ويتطلب ذلك وجود بيئة أكاديمية وإدارية مناسبة لتحقيق أهداف الجامعة التي من أهمها إعداد وتأهيل الكفاءات في مجالات مختلفة مثل الطب والهندسة والتعليم.. وفق آليه تتفرد بها الجامعة عبر نظامها المؤسسي الذي يتسم بالمرونة والتجدد ويتيح فرص الاستفادة من الخبرات وإيجاد بدائل متنوعة لتحقيق أفضل النتائج.

لذلك لا يمكن أن نتخيل أن تتحول الجامعة إلى مستشفى بدافع تدريس الطب أو تتحول إلى معمل لأن الطلاب يدرسون العلوم؛ والأخطر من كل ذلك عندما تتحول الجامعة إلى مدرسة تطبق نظام التعليم العام، كما يحدث في بعض الجامعات الناشئة التي تمنع الأستاذ من إضافة معلومة حديثة أو حذف أخرى قديمة وتوجب عليه الالتزام بفهرس الكتاب المدرسي! والانشغال بالتدريس طوال أيام الأسبوع بالشكل الذي لا يجد معه الوقت لممارسة مهامه الأخرى في إجراء البحوث أو خدمة المجتمع؛ كما يجب أن يطلع رئيس القسم أو عميد الكلية على أسئلته في الاختبارات ويحق لهم تعديلها؛ دون أدنى اعتبار لرتبته العلمية أو تخصصه وتنوع خبراته؛ فسعادة الرئيس أيا كان تخصصه أو خبراته؛ يقوم بدور المشرف والخبير التربوي كما هو قائد المدرسة؛ أما الأستاذ الجامعي فهو مجرد ناقل لمعلومات محددة في كتاب مدرسي لا يسمح له بتجاوزها ومكلف بحصص دراسية يتم التأكد فيها من حفظ تلك المعلومات كما هو حال معلم تحت التدريب!

والأدهى والأمر من ذلك أن الأقسام في بعض الجامعات الناشئة لا توجد لها هوية واضحة، فمقرراتها تتوزع بين الأقسام والكليات الأخرى دون مرجعية محددة؛ ويدار بعضها من إخوة متعاقدين يبحثون عن أرزاقهم ولا حول لهم ولا قوة في اتخاذ القرار عندما تفقد المجالس الحاكمة (القسم - الكلية ..) وظائفها الأساسية في التشريع والتطوير ويصبح الهدف من وجودها التأكد من تنفيذ تعليمات معينة فقط.

وتبعا لذلك تصبح طاقات الأقسام معطلة ولا يوجد فيها أدوار تتناسب مع الإمكانات الحقيقية لأعضائها؛ في بيئة غير مناسبة لأداء وظائف الجامعة؛ ويحكي لي أحد الزملاء أن مسؤولا رفيعا في جامعة ناشئة اتصل به يسأل عن أحد المختصين البارعين في المجتمع لغرض استشارة خاصة، وكانت المفاجأة أنه يعمل في ذات الجامعة التي يعمل بها دون علمه بذلك!

لا شك أن هذه البيئة تعمل على تقييد الجامعة وإعاقة تحقيق أهدافها وتقلل من الاستفادة من قدرات وإمكانات أعضائها وتقتل الإبداع لديهم؛ ويحرم المجتمع من فرص النماء والتطوير؛ وتصبح الجامعة عبئا على مجتمعها بدلا من أن تكون سببا في تطوره.

إن المشكلة ليست في الفكر الإداري في المدرسة أو المستشفى أو المصنع؛ فلكل منظمة نمط إداري يتناسب مع طبيعتها وأهدافها؛ ولكن المشكلة تكمن في تصدير تلك الأنماط وتعميم خبراتها إلى الجامعة رغم اختلاف رؤيتها وأهدافها وما يتعلق بها من عمليات وإجراءات؛ على سبيل المثال تختلف المدرسة عن الجامعة في أهدافها وطبيعة مقرراتها ومنهجية تقديمها وسمات الفئة المستهدفة وتأهيل العاملين؛ وكذلك الجامعة تختلف عن المستشفى والمصنع؛ وهو اختلاف غير تفضيلي فليس هناك جهة أفضل من أخرى؛ ولكنه اختلاف نوعي يتوجب معه وجود اختلاف جذري في نظام الإدارة وإجراءات العمل بما يتفق مع أهداف كل منظمة. وفي الجامعات الناشئة يوجد على رأس الإدارة العليا كفاءات قيادية متميزة؛ ولكن من المهم أيضا أن يصاحب ذلك وجود قيادات تمتلك خبرات واسعة على مستوى الإدارات الوسطى والدنيا، فتأسيس الأقسام والكليات وإعادة هيكلة القائم منها على أسس أكاديمية وإدارية صحيحة لا يقل أهمية عن وضع الخطط العريضة للجامعة، بل هو الأساس ومنطلق رئيسي للنجاح.

وقفة: من المنطق السليم أن يدرك كل من يأتي من جهات أخرى للعمل في الجامعة أن هناك فرقا نوعيا؛ وأن التعامل بنفس الفكر الإداري السابق لا يتسق مع الواقع الجديد ويجعل الفرق في المسميات فقط.