هبة قاضي

ديباك شوبرا في السعودية

دبس الرمان
دبس الرمان

الاحد - 07 مايو 2017

Sun - 07 May 2017

حين اتصلت بي صديقتي تدعوني للذهاب معها إلى محاضرة ديباك شوبرا في مدينة الرياض، لم أتحمس كثيرا، وذلك لأنني - رغم معرفتي بديباك واستماعي له عدة مرات - لست من المتابعين له والمتبنين لأفكاره، بعكس صديقتي المنخرطة والممارسة لمفاهيم الوعي الحديثة، وبالتالي فهي متابعة وقارئة لديباك شوبرا وغيره من رواد حركة الوعي الحديثة.



لكن حبي للتعلم وانفتاحي للتنوع الفكري بالإضافة لفضولي لمعرفة ما سيعرضه، دفعتني للموافقة على الذهاب، طمعا في التجربة ورغبة في مشاركة الأجواء المعرفية مع الآخرين. وحقيقة كانت تجربة جميلة من حيث الحضور والتنظيم وأجواء التفاعل الفكري مع الآخرين. ولكن الأجمل كان أن نعيشها هنا، في بلادنا، ووسط معارفنا وأصدقائنا والناس الذين شاركونا التنشئة على اعتقادات وقناعات معينة والآن يشاركوننا رحلة الانفتاح على عالم زاخر بالآفاق الفكرية والمعرفية المثرية والمتنورة.



لم تكن ردات الفعل على مجيء ديباك شوبرا للسعودية مفاجئة، بل بالعكس كانت طبيعية جدا. الرفض والذم والقدح والنقد ترجمت نفسها نداءات صارخة على قنوات التواصل الاجتماعي مناشدة بوقف هذا الزحف الليبرالي الغاشم على بلاد التوحيد. مطالبة بالتصدي لهذا الهجوم العلماني لهذا الملحد الذي سيلطخ أفكارنا ويهدد ديننا وعقيدتنا، وناشرة الذعر والرعب في القلوب والعقول من أن آخر معاقل الإسلام في الأرض مهددة بالانجراف مع الحركات التغريبية التي كانت وما زالت تستهدف بلادنا وتكيد بديننا.



في الحقيقة ليس من المفترض أن نتفاجأ بهذا الكم من الخوف والذعر من أجيال نشأت على التلقين والترديد والتبعية الفكرية والعقائدية، وعلى إسقاط تأخرها وعدم مواكبتها على نظرية المؤامرة. وفي المقابل لسنا من المفترض أن نتفاجأ من مدى إقبال مجموعة أخرى من الناس على المدارس الفكرية الحديثة بجميع تنوعاتها والروحية منها بشكل خاص، والذي إن دل على شيء فإنما يدل على أننا نعاني من فراغ فكري وروحي تسببت فيه النشأة على أن الدين مجرد مسلمات، ممارسات وطقوس.



عزيزي الخائف يجب أن تدرك أن عهد الوصاية الفكرية انتهى حين بدأت ثورة التواصل واكتسحت كل العالم دون استثناء. يجب أن تدرك أن عدم الحضور الميداني لديباك شوبرا أو غيره لن يمنعه من الحضور الفكري في العقول والبيوت من خلال وسائل العصر الحديث. وعليه فأنت بحاجة لوقفة مع النفس تواجهها فيها بحقيقة أنه إن كانت عقيدتك ثابتة وعن قناعة، فلم تخاف من أن تؤثر عليها الأفكار والعقائد الأخرى، بل العكس فإن بعض العلوم والأفكار ستزيدك وعيا وفهما لنفسك ودينك وخالقك، فالله لا يعبد بالجهل. كما أنه ليس بالضرورة أن تتبنى فكرا كاملا أو تتبع شخصا في كل طرحه، فكل يؤخذ منه ويرد.



ربما اعتقدت عزيزي القارئ بأنني لن أنهي المقال قبل أن أتحدث عن شوبرا، ماذا قدم للعلم والفكر، ماذا استفدت شخصيا من حضوري له وبماذا اقتنعت وبماذا لم أقتنع. ولكنني لن أفعل لأن ذلك واجبك أنت نحو نفسك، ونحو مجتمعك وبلدك. نعم واجبك أن تقرأ وتشاهد وتبحث وتحضر، لأنه حينها فقط يحق لك أن تعرض رأيك، وحينها فقط سيسمع رأيك بكل إنصات وترحاب، سواء كان سلبا أو إيجابا.



@hebakadi