من خطب الجمعة

الجمعة - 05 مايو 2017

Fri - 05 May 2017

أنواع العافية

«إن أعظم العافية سلامة العبد من الذنوب وفي التوبة وصدق الإنابة، وإذا وقع العبد في شيء من الذنوب فليستتر بستر الله، وفي الحديث: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، متفق عليه، ومن جاهر بالذنوب وأعلن الفسق فقد حرم العافية، ولهذا كان تحول العافية من أعظم المصائب التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ منها، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك. وإن العافية في السلامة من حقوق الناس وأن تلقى الله وليس أحد يطلبك بمظلمة في عرض ولا مال، كتب رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن اكتب إلي بالعلم كله، فكتب إليه ابن عمر: إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء المسلمين، خميص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازما لأمر جماعتهم، فافعل والسلام.



والعافية في السلامة من الفتن؛ أن يخوض الإنسان فيها ولو بشطر كلمة، بعد إذ نجاه الله منها، ومن الخذلان أن تسعى لجلب البلاء وقد نجاك الله منه، وأن تخوض في الفتن وقد عافاك الله منها، وأن تكون سببا لفتن الشبهات أو الشهوات، وتهتك ستر العافية والمعافاة الذي أسبغه الله عليك وعلى مجتمعك، وإن من العافية عافية الأوطان والديار والأمن والاستقرار، ووحدة الكلمة، وفي الولاية الشرعية التي تخاف الله وتتقيه وترعى مصالح الناس، ومن العافية أن يصبح العبد آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، كأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، والعبد لا يزال في يومه وليلته يلج في أمور لا يدري عن عواقبها، ويفتتحها وهو لا يدري عن الختام، من أمور دينه ودنياه، فليسأل الله أن يحسن عاقبته في الأمور كلها، فربما سره ما كان يحذره، وربما ساءه ما كان يرجوه».



صالح آل طالب - الحرم المكي



أمراض القلوب

«إن أعظم أمراض القلوب الغفلة التي يحرم من ابتلي بها كثيرا من أبواب الخير، فالغفلة المستحكمة هي التي شقي بها الكفار والمنافقون، وهي التي أوجبت لهم الخلود في النار، والغفلة من المسلم عن بعض أعمال الخير وعن الأخذ بأسباب المنافع والنجاة من الشرور يفوته بها من ثواب الخير بقدر ما أصابه من الغفلة، ويعاقب بالمكروهات والشر بقدر غفلته بترك أسباب النجاة، والغفلة هي عدم إرادة الخير قصدا وعدم محبته مع خلو القلب من العلم النافع والعمل الصالح، وهذه هي الغفلة التامة المهلكة، وهي غفلة الكفار والمنافقين التي لا يفلح المرء معها إلا بالتوبة إلى الله، ولا يتبع الإنسان إذا استولت عليه إلا الظن، وما تهواه نفسه، وما يزينه له شيطانه، وما يحبه هواه من الشهوات، وغفلة الكفار والمنافقين غفلة مستحكمة تامة، تخلد صاحبها في النار، وغفلة المسلم هي غفلة عن بعض الأعمال الصالحة التي لا يضاد تركها إسلامه، أو الوقوع في بعض المعاصي التي لا تكفر، وذلك بالغفلة عن تذكر عقوباتها، والغفلة عن تذكر ثواب صلاة الجماعة، تجر إلى التساهل في الجماعة، وفي الغفلة عن قطيعة الرحم يقع الوعيد على القاطع، وبالغفلة عن عقوبات الظلم يقع الظلم في الأرض ويسفك الدم الحرام، ويؤخذ مال الغير، ويعتدى على الأعراض ويصير العمران خرابا، والأرض يبابا، ويهلك الحرث والنسل، وينتشر الخوف ثم تنزل العقوبة بالظالم، والغفلة مفتاح شرور، يحرم بها المسلم كثيرا من الخير، فما يدخل النقص على المسلم إلا من باب الغفلة، فالنجاة منها هي السعادة، والبعد عنها رقي في درجات العبادة، والحذر منها حصن من العقوبات في هذه الدنيا، وفوز من معين ما بعد الممات، ولا يكون الاعتصام من الغفلة والنجاة منها إلا بالابتعاد عن أسبابها وعدم الركون إلى الدنيا التي تضر المرء في آخرته، ومما يعين المسلم على تجنب الغفلة المحافظة على الصلوات جميعا، بخضوع وحضور قلب، لما فيها من المعاني العظيمة، ومما ينجي من الغفلة ذكر الله على كل حال، فالذكر يحيي القلب، ويوقظ المرء من النسيان، ويحمي المرء من المعاصي بإذن الله».



علي الحذيفي - الحرم النبوي