دخيل سليمان المحمدي

تاريخ القلاع والقصور أم مسلسل مهند ونور؟

الجمعة - 05 مايو 2017

Fri - 05 May 2017

كنت على ظهر سفينة سياحية في نهر البسفور التركي، وكانت السفينة تعج بالكثير من السياح من مختلف دول العالم، وكان معنا مرشدان سياحيان، أحدهما يتحدث العربية والآخر يتحدث الإنجليزية بواسطة مكبرات الصوت ليخبرانا عن بعض المعالم التاريخية التي تقع على ضفاف نهر البسفور.

وعندما مررنا من أمام قلعة أناضول حصار والتي بناها بايزيد الأول وقلعة روملي حصار التي قال عنها بأنه بناها القائد محمد الفاتح وكانت منطلق فتحه للقسطنطينية. توجه كثير من السياح غير العرب إلى طرف السفينة الآخر ليلتقطوا الصور ويسألوا المرشد كثيرا من الأسئلة، ثم بعدها مررنا بقصور السلاطين العثمانيين ليقوم هؤلاء السياح من جديد بالتقاط الصور وطرح الأسئلة من جديد. كيف ومتى وأين؟

وعند وصولنا إلى بحر مرمرة شاهدنا ذلك القصر الذي أشار إليه المرشدان بأنه القصر الذي احتضن المسلسل التركي (نور) ليهب ما يقارب 90% من السياح الخليجيين والعرب حيث بدأ الجميع بالوقوف من مكانه واتجهوا نحو الطرف الموالي للقصر حتى كادت سفينتنا أن تغرق مترنحة من كثرة الحركة، وبدأت الأصوات تعلو باللهجة الخليجية والمصرية والمغربية وبدأ التصوير. مما جعل الكثير من السياح الآخرين ينظر بدهشة مبتسما، وبدأ المرشد التركي يتحدث مع زملائه الأتراك باللغة التركية ساخرا مما يراه، تأكيدا لكلام زميله المرشد السياحي الذي تحدث عبر مقطع فيديو تم نشره عندما قال للسائحين العرب الذين كانوا على متن السفينة في إحدى الجولات السياحية (شرحت لكم عن قصر دولما بختي أفخم قصر عثماني في تركيا، وطلبت منكم التقدم لمقدمة السفينة لتفقده وتصويره، ولم يتحرك أحد من مكانه، وشرحت لكم عن قصر محمد الفاتح الذي غير مجرى التاريخ، ولم يتحرك أحد من مكانه، ولكن عندما شرحت لكم عن قصر مهند ونور تحرك الجميع وحضر لمشاهدة القصر (والله عيب عليكم يا جماعة) أرجعوا لأماكنكم لا تنقلب بنا السفينة يا جماعة).

لقد انتابني شعور بالحسرة والخجل على ما آل إليه مجتمعنا العربي والإسلامي بالاهتمام السخيف، حيث تحرك الجميع عندما سمعوا بقصر مهند ونور بينما لم يحرك ساكنهم ذكر تلك القلاع التاريخية التي تدل على تاريخ فتوحات أمتهم الإسلامية، وعندما تحدثت عن ذلك المنظر قال لي البعض بأنني أشغلت نفسي في أمر لا يستحق، لأن تاريخ هذه القلاع يعتبر ماضيا زال وتراثا باليا.

إن الهوس عند البعض تجاوز كل الحدود في حب المسلسل التركي «نور»، حتى وصل بهم إلى سفر كثير من العائلات العربية، ولا سيما من دول مجلس التعاون الخليجي، إلى تركيا، والبحث في مدينة إسطنبول عن أماكن تصوير المسلسل، الذي فاقت شهرته الآفاق عربيا، بينما ظل مجهولا في بلاده.

أخي إن معرفة الأمة لماضيها خير وسيلة لتصوير وتطوير المستقبل، فالأمة التي لا تعرف ماضيها التاريخي، لا تقدر مهمتها، ولا تعلم غايتها، ولا تستطيع تشخيص حاضرها، ولا تبني مستقبلها. ومن المسلم به أن تاريخ الأمة بناه الأفراد المبدعون، وقد حفل التاريخ الإسلامي بعد جيل الصحابة، رضوان الله عليهم، بالآلاف من الرجال الذين غيروا مسار التاريخ وصنعوا للإسلام حضارة مجد سادت العالم قرونا، فوا عجبا لأمة لها تاريخ مجيد عريق مشرف تخاصمه ولا تستفيد منه، بل تعتبره ماضيا انتهى.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال