عبدالله محمد الشهراني

مشوار

الأربعاء - 03 مايو 2017

Wed - 03 May 2017

(رواية قصيرة)



كان يا ما كان في حاضر الزمان، مواطن شاب يدعى أمين، أكمل دراسته الجامعية والعليا خارج البلاد، ثم عاد إلى الوطن وقد حصل على درجة الماجستير والدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف. أنهى أمين رحلته التعليمية وبدأ في رحلة جديدة أكثر عناء وتعبا “رحلة البحث عن وظيفة”. طرق أمين كل أبواب القطاع العام والشركات الخاصة لكن دون جدوى!

أمين مواطن عفيف (يريد أن يأكل من عرق جبينه)، لذا قرر الالتحاق بشركة كريم أو أوبر أو أي شركة مماثلة.



وفي أحد الأيام استلم أمين طلب مشوار من المطار، الزبون خواجة (أشقر وعيونه خضراء)، مرحبا، أنا أمين، شكرا أنا إدوارد، تفضل سيدي، يقولها أمين وهو يحمل حقيبة الزبون، إلى أين سيد إدوارد؟ المبنى الرئيسي لشركة الأقواس المحدودة، لو سمحت، حسنا سوف نصل خلال 20 دقيقة، أنت تجيد اللغة الإنجليزية بطلاقة، نعم هذا صحيح فقد درست الماجستير والدكتوراه خارج البلاد، حاصل على درجة الدكتوراه وتعمل كسائقي التاكسي؟ نعم فهو أفضل من الجلوس في البيت، لكن هل تسمح لي سيد إدوارد بسؤال؟ تفضل، ما سبب زيارتك؟ لا هي ليست بزيارة فلقد تم تعييني رئيسا تنفيذيا لشركة الأقواس المحدودة، وهل يمكن أن أعرف الراتب ومدة العقد؟ المرتب الأساسي 80 ألف دولار و3 رواتب بدل سكن وسيارة أو بدل مواصلات وتأمين صحي، أما عن مدة العقد فهي 4 سنوات، ها نحن قد وصلنا، تمنياتي لك بالتوفيق والنجاح.



مشوار آخر أيضا من المطار، مرحبا، أنا أمين، أهلا أنا ديفيد، إلى أين يا سيدي؟ إلى المؤسسة العامة للفحم الحجري، لقد تم تعييني نائبا للمدير العام لشؤون الخصخصة، إن

المؤسسة مقبلة على مرحلة جديدة تتحول فيها من الاعتماد الحكومي إلى شركة مستقلة تعتمد على إيراداتها وأرباحها. وصلنا سيدي، تمنياتي لك بالتوفيق والنجاح.



مشوار جديد من المطار، مرحبا أنا أمين، مرحبا أنا جيم وأنا مارتن، إلى أين يا سادة؟ إلى شركة الأقواس المحدودة، قبل عدة أشهر تعرفت على شخص يدعى إدوارد يعمل في هذه الشركة هل تعرفانه؟ نعم إدوارد والد زوجتي وصديق السيد مارتن، وهل أتيتما لزيارته؟ لا.. لقد تم تعييني مديرا عاما للمشاريع، وتعيين السيد مارتن مستشارا للسيد إدوارد. وصلنا، تمنياتي لكما بالتوفيق.



مشوار من المطار، مرحبا أنا أمين، مرحبا أنا ستيف وهذا توماس وهذا وليام وهذا أوليفر، إلى أين يا سادة؟ إلى شركة الطاقة والإنتاج، نحن شركة استشارية تم التعاقد معنا لتطوير الشركة وحل مشكلاتها، وصلنا يا سادة، تمنياتي لكم بالنجاح.



بعد مرور سنة.. مشوار إلى المطار.. ألست أنت إدوارد؟ وأنتما جيم ومارتن؟ نعم هذا صحيح، إلى المطار أليس كذلك؟ نعم، هل هي إجازة سنوية؟ حقيقة لا، لقد تمت إقالتنا من الشركة، كم يؤسفني سماع هذا الخبر، لقد خسرتم الوقت والجهد، في الحقيقة لم نخسر شيئا، لقد استلمنا كامل حقوقنا، نعم لقد كانت مدة العقد 4 سنوات ولم نعمل سوى سنة واحدة، إلا أننا وبموجب شروط العقد استلمنا جميع حقوقنا لمدة سنتين، فالخاسر هو الشركة وليس نحن، رحلة سعيدة.



مشوار آخر إلى المطار، يسأل أمين بدهشة ستيف توماس وليام أوليفر، هل انتهت مدة عقدكم؟ لا بل تم إلغاؤه ومطالبتنا بمغادرة البلاد، ولم كل ذلك؟ اتهمونا بقضية فساد مالي، وكيف تخونون أناسا وثقوا فيكم!؟ غير صحيح. وما الصحيح إذن؟ الحقيقة أنتم المواطنون تكرهون الأجانب، وليست لديكم النية في التعاون معهم. أوقف أمين السيارة غاضبا ليشرح لهم نقطة في غاية الأهمية. هذا الكلام غير صحيح، وهو تبرير لفشلكم وغطاء تستخدمونه لستر فسادكم، نحن في هذا البلد نكن الفضل والامتنان لعدد كبير من الأجانب الذين شاركونا في وضع لبنات التأسيس وما زالوا بيننا في عصر النهضة، نحبهم ويحبوننا، وتربطنا بهم صداقة قوية وصل بعضها إلى المصاهرة والتراحم، لديهم ولاء كبير للبلد يضاهي ولاءهم لأوطانهم، رأينا فيهم المعلم المربي، والطبيب الماهر، والمدير القدوة، والجار الأمين. لقد أصبحت وظيفتكم أيها المستشارون معروفة للجميع، فالمستشار من أمثالكم يأخذ الأفكار وحلول المشكلات من الموظفين، ثم يعيد تقديمها إلى المسؤول المريض بعقدة الأجنبي فيتقبلها منه ويصفق له! مشوار إلى المطار، أهلا سيد ديفيد، هل تذكرني؟ نعم أنت من اصطحبني من المطار أول مرة، سعيد برؤيتك مجددا يا أمين، وأنا كذلك، سيدي إلى المطار، بالتأكيد إجازة؟ لا لقد استقلت، لكن لم يمض وقت طويل على وصولك؟ اسمع يا بني وانتبه لما أقوله جيدا. القيادات الإدارية لا تختلف كثيرا عن مدربي كرة القدم، فهناك مدرب معد ومتخصص بالفرق الصغيرة، يكتشف المواهب ويصقلها ويعمل على تجانس الفريق وزرع الثقة في أفراده، ثم ينطلق بهذا الفريق الشاب حاصدا معه الألقاب والبطولات. ومدرب آخر يريد فريقه جاهزا، يملك العناصر المحترفة والإدارة المستقرة والموارد المالية الكافية فيبدأ بالمنافسة في جميع البطولات فيحصد جميعها أو أغلبها. أنا إداري ناجح في بيئة مستقرة ومتكاملة، لا أملك قدرة المدرب المعد، لقد ظلمني الشخص الذي اختارني لهذه المهمة وظلم شركته أيضا. لكنها ليست غلطتك سيدي، فلماذا الاستقالة؟ لقد فعلت ذلك حفاظا على سمعتي ومسيرتي العملية، وللخروج بأقل الخسائر بالنسبة للشركة، لكني تعلمت شيئا مهما من هذه التجربة، أنه وفي مثل هذه الظروف لا يوجد من هو أدرى بالبلد واحتياجاته وثقافة مجتمعه، ومن لا يهمه العقد بقدر ما يهمه مستقبل البلد إلا ابن البلد. ديفيد هو الشخص الوحيد الذي أصر أمين على أن يرافقه ويودعه داخل صالة المغادرة.



[email protected]