آفة المجتمع

الاثنين - 01 مايو 2017

Mon - 01 May 2017

كنت أسمع دائما أن جيلنا جيل غير جاد، فنحن لا نحترم من هم أكبر منا سنا، وأننا مترفون جدا لا يرجى منا خير.

وعندما كبرت قليلا، أصبحت أقول مع الآخرين إن الجيل القادم جيل تافه، وشبابه لن يتحمل المسؤولية، وبكل تأكيد أنهم أسوأ حالا منا.

وبعد فترة بسيطة، توقفت وسألت نفسي «إن كنا أسوأ من سابقينا -كما وصفونا - والجيل القادم أسوأ منا - كما نزعم - فإلى أي درجة من السوء نحن متجهون؟» بعدها سقط في يدي نص قرأته كتبه أفلاطون عام 400 قبل الميلاد قال فيه «ما الذي يحدث لشبابنا؟ إنهم لا يحترمون الكبار، ويعصون آباءهم، ولا يحترمون القانون، وأخلاقهم في انحطاط. ما الذي نتوقعه منهم؟».

ونص آخر من أحد القساوسة مكتوب عام 1274م يقول فيه «شباب اليوم لا يفكرون إلا بأنفسهم، ولا يحترمون الآباء ولا من يكبرهم سنا، والفتيات جريئات وغير مهذبات في أسلوب حديثهن، وتصرفاتهن وحتى في لباسهن».

أدركت أن الأمر ليس منحصرا على هذا العصر أو علينا كمجتمع عربي، بل على مر العصور واختلاف الثقافات. فتغير السؤال إلى «هل ما قيل وما نقول صحيح؟» لأنه لو كان كل جيل أسوأ من الذي سبقه لعدمت، ولكن يبدو أن في الأمر خطأ.

نحن لا نستوعب المتغيرات الثقافية والفكرية وحتى التقنية التي تمر بها الأجيال المختلفة، فنقارن جيلا بآخر بمعزل عن ذلك. من هذا المنطلق، أعتقد أن الخلل في الأساس هو استخدام أسلوب المقارنة، فلكل جيل معطياته. ألم يذكر في الأثر «لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم»؟ وهذا قول حكيم في نبذ المقارنة.

بشكل عام، المقارنة آفة على المجتمع وعلى الفرد فهي لا تقتصر على انتقاد الأجيال لبعضها ولكن للمقارنة أبعاد أخرى تجعلنا نراجع أنفسنا في بعض أحكامنا وقراراتنا. أدركت ذلك بعد تأمل في قصص القرآن، فالله سبحانه وتعالى يذكر في كتابه المبين موقف إبليس من السجود لآدم عليه السلام، فيقول سبحانه وتعالى مخاطبا إبليس « قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين» إذن، فأساس أول معصية للخالق هو المقارنة. ومثال آخر تعلمناه من قصة أول جريمة في الأرض واضح في قول الله تعالى «واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين»، فقتل قابيل أخاه هابيل بسبب المقارنة. إذن فالمقارنة أساس الكبر والحسد والحقد والغيرة، وعكس المقارنة تماما تكون السعادة والرضا والراحة النفسية فقد قيل قديما «المرء سعيد ما لم يقارن».

قفلة: لنتأمل قول الله تعالى «لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين».