محمد العوفي

فتح ملفات الواسطة والمحسوبية

الاثنين - 01 مايو 2017

Mon - 01 May 2017

الأمر الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله بإعفاء وزير الخدمة المدنية خالد العرج من منصبه، وتشكيل لجنة للتحقيق فيما ارتكبه من تجاوزات ومخالفات أثبتتها أجهزة مكافحة الفساد (هيئة الرقابة والتحقيق والهيئة العامة لمكافحة الفساد «نزاهة»)، يعد سابقة جديدة في حماية النزاهة ومكافحة الفساد، وطبقت صراحة مبدأ عدم استثناء كائن من كان.



هذه الصيغة دشنت عهدا جديدا من المحاسبة والمساءلة في محاربة فساد المستويات الإدارية العليا من السلطة التنفيذية قبل المستويات الدنيا، وأثبتت أنه لم يعد هناك مجال للسكوت والصمت، وغض الطرف عن أخطاء وتجاوزات المسؤولين أيا كانت درجتهم الوظيفية، كما أنها أوصلت رسالة واضحة للجميع أن الوضع تغير كثيرا، ولم يعد هناك استثناء لأحد، فالوزير والمدير والموظف سواسية أمام النظام، وأن الوزير ومسؤولي السلطة التنفيذية أصبحوا تحت الرقابة الحكومية والمجتمعية.



هذا الأمر سيكون الشرارة الأولى التي ستفتح كثيرا من الملفات الحبلى بممارسة الواسطة والمحسوبية واستغلال النفوذ واستعمال السلطة لتعيين الأقارب وتوظيفهم على حساب الكفاءات، كما أنه سيقطع الطريق مستقبلا على تفشي هذا السلوك لأنه سيجعل المسؤولين أكثر حذرا مما سبق في التعيينات والترقيات، ويعيد النظر مرارا وتكرارا قبل الإقدام على مجاملة أقاربه على حساب الكفاءات في ظل وجود من يترصد ولديه القدرة على تبني محاربة الفساد من المواطنين وإيصال ذلك إلى الجهات المعنية بعد أن أسست الحكومة لمنهجية أكثر حزما في التعامل مع مثل هذه القضايا.



قضايا الواسطة والمحسوبية في التوظيف والترقيات ستكون الأكثر حضورا في الأيام المقبلة، والتسريبات ستتوالى تباعا وستجد من يتبناها، وقد تطيح بكثير من المسؤولين مستقبلا، ولا سيما أن نسبة كبيرة من قضايا الفساد الإداري تتمحور حول تعيين الأقارب في وظائف لا تنطبق على مؤهلاتهم أو لم يكونوا الأجدر بها لوجود منافسين مرشحين يتفوقون عليهم في اختبارات القدرة والجدارة، وكذلك في التأهيل.



الفساد في التوظيف والترقيات يعد فسادا مكشوفا يمارس علانية من كل الدرجات الوظيفية، لكن اليد الطولى فيه للدرجات الوظيفية العليا ذات النفوذ والسلطة، فهي من حولت بعض الأقسام والإدارات والجامعات والوزارات إلى كينونات عائلية، وأبقتها إقطاعيات يتوارثونها كابرا عن كابر، ومقارنة أسماء الموظفين داخل الجهات الحكومية (وزارات، هيئات، جامعات، كليات.. وغيرها) سواء كانت أقساما رجالية أو نسائية، بأسماء المسؤولين في تلك الجهات، هو الخيط الأول الذي سيوصلك إلى ما بعده من ممارسات لفساد أصحاب النفوذ في تلك الجهات.



هذا القرار مهد الطريق لفتح باب ملف الواسطة والمحسوبية في التعيين والترقيات داخل المؤسسات الحكومية سواء أكان هذا التعيين سابقا أم لاحقا، وستشهد الأيام المقبلة الكثير من التسريبات في وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة «تويتر»، حول علاقة بعض المسؤولين بهذا النوع من الفساد، وربطها بأسماء أقاربهم المعينين، وستشهد الأيام المقبلة طلبات تقاعد مبكر واستقالات من بعض المسؤولين خوفا من افتضاح أمرهم، والسؤال هنا، هل التقاعد - أو الاستقالة - يعفي من العقوبة في حال اكتشاف استغلال للنفوذ والسلطة لتوظيف الأقارب؟



كل ما أتمناه أن تطال يد المحاسبة حتى من يستقيل أو يتقاعد لأنه سينعكس إيجابا على هيبة المؤسسات الحكومية واحترام قوانينها وأنظمتها التي سلبت بعدما حولها بعض المسؤولين إلى ممتلكات خاصة يوظف فيها من يشاء من أقاربه ومعارفه دون اعتبار لمعايير الجدارة والكفاءة.



[email protected]