سليمان الضحيان

لماذا لم يلغ الإسلام الرق؟

الاثنين - 01 مايو 2017

Mon - 01 May 2017

لدينا حركة فكرية شبابية صاخبة تطرح تساؤلات عميقة في كثير من الأفكار والقضايا الدينية والسياسية والاجتماعية، وبما أن منافذ التعبير على أرض الواقع لدينا قليلة فقد اتخذت هذه الحركة من النت - خاصة مواقع التواصل - ميدانا لها، وتساؤلات الشباب في أغلبها صدى لحركة الواقع، فنتيجة لما قامت به حركة (داعش) من استرقاق النساء كثرت التساؤلات حول الرق (العبودية)، ولماذا لم يمنعه الإسلام؟ فإذا كان الإسلام جاء بالعدل والرحمة، ومحاربة الظلم، ونص على أن الناس سواسية لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى، فلماذا لم يحرم الرق، وهو استعباد للبشر وسلب لحريتهم في التصرف، وتحويلهم إلى سلعة تباع وتشترى؟



هذا التساؤل منطقي، ويحتاج إلى إجابة. فابتداء يجب أن نستفتح الكلام عن (الرق) أنه كان واقعا عالميا، فكل الحضارات السابقة على الإسلام والمعاصرة لفجر الإسلام أقرت بالرق، وسنت تشريعات خاصة به، وكانت حركة الاقتصاد العالمي آنذاك مرتبطة بالرقيق، فعليهم يقوم غالب العبء الزراعي والصناعي، وتربية الحيوانات، والبناء، وكان العرب في الجاهلية منخرطين في هذا النظام العالمي، أي إن الإسلام جاء لواقع عماد الاقتصاد فيه يقوم على الرقيق، وكثيرون يعتقدون أن الإسلام جاء بتغيير جذري للعوائد والتشريعات والأنظمة المعمول بها لدى العرب في الجاهلية.



والحق أن الإسلام في بنيته الدينية الخالصة التي تميزه بصفته دينا سماويا، وهو جوهر الدين (العبودية الخالصة لله، والشعائر الدينية) جاء بنظام جديد يختلف جذريا عن الواقع، وأما عوائد الناس وتقاليدهم ومواضعاتهم التشريعية في القضايا الاجتماعية والاقتصادية فلم ينلها تغيير جذري، ولهذا فكثير من أحكام الزواج والطلاق، والأحكام الجنائية كالقصاص، والدية، والقسامة، والعاقلة، والأحكام الاقتصادية كطرق البيع والشراء، والمزارعة، والشركة، والرهن، وأحكام السياسة كالتعامل مع السفراء، وختم الرسائل، وإقامة التحالفات، كل ذلك وغيره مما هو خاضع لحركة الاجتماع البشري لم يحدث فيها الإسلام تغييرا جذريا، بل أقرت كما هي، أو أقرت مع تغييرات فيها، وأحيانا تغييرات طفيفة، وما ذلك إلا لأن هذه الأحكام ليست من صلب الدين (جوهر الدين) الذي يتميز بها بصفته دينا، وهي التي تتصف بالثبات والديمومة، بل هي من المتغير الخاضع لحركة الاجتماع البشري، وإذا فهمنا هذه الحقيقة يمكننا فهم بقاء الرق وعدم منعه، فالرق من المتغير الخاضع لحركة الاجتماع البشري، فجاء الإسلام، وأقره بصفته واقعا عالميا، ومما تعارفت عليه البيئة العربية آنذاك، وتعاملت به.



لكنه مع هذا الإقرار أجرى تغييرات كبيرة فيه، فقد ضيق مجال الرق؛ إذ كان مجال الاسترقاق واسعا جدا قبل الإسلام؛ فهناك الاسترقاق بالبيع، فكان للأبوين الفقيرين بيع أبنائهما، والاسترقاق بالسطو على القوافل، وسرقة الضعفاء وبيعهم، واسترقاق المقامر الخاسر في المقامرة، واسترقاق المدين إذا لم يوف بدينه، واسترقاق الأسرى، فمنع الإسلام كل هذه الوسائل، وقيد الاسترقاق بأسرى الحرب، فهي عقوبة على حربهم للمسلمين، وأخضع استرقاق الأسرى لتقدير السلطة، فلها أن تطلق الأسرى من دون فدية، ولها إطلاقهم بفدية، ولها استرقاقهم حسب المصلحة التي تراها، وفي المقابل وسع وسائل تحرير الأرقاء، فجعل تحرير الأرقاء أحد مصارف الزكاة الثمانية، وجعل العتق واجبا أو تخييرا في بعض الكفارات كما في القتل الخطأ، وفي الظهار، وفي الجماع في نهار رمضان، وفي الحنث في اليمين.



وحرص الإسلام على احترام إنسانية الأرقاء، فنهى عن تسمية الرجل منهم عبدا، والمرأة أمة، وأمر بتسميتهما فتى وفتاة، وقرن الأمر بالإحسان إليهم بالإحسان للوالدين، كما في قوله تعالى: «وبالوالدين إحسانا» إلى أن قال: «وما ملكت أيمانكم»، ونهى عن تكليفهم فوق ما يطيقون، ففي الحديث: «إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليكسه مما يكتسي، ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليُعِنْه»، وشدد على حسن معاملته حتى جعل كفارة لطمه عتقه، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من لطم مملوكا له، أو ضربه، فكفارته عتقه»، فالأمر كما ترى تضييق في وسائل الاسترقاق، وتوسيع في وسائل التحرير، وبين ذلك تشريع لمعاملتهم معاملة إنسانية، ولم يكن وفق حركة الاجتماع البشري آنذاك ممكنا منع الرق نهائيا، ولهذا تركه الإسلام خاضعا لحركة الاجتماع البشري، والذين ينتقدون موقف الإسلام من الرق اليوم أو الذين يرون مشروعية الرق اليوم لم يفهموا فلسفة الدين وعلاقة النص الديني بحركة الاجتماع البشري.



[email protected]