فوق تحت

الاحد - 30 أبريل 2017

Sun - 30 Apr 2017

قبل ما يقارب عشر سنوات دعاني أحد الأصدقاء لتناول القهوة العربية في منزله الذي لا يبعد كثيرا عن منزلي، ما جعلني أذهب إليه قبل الموعد بربع ساعة اعتقادا أن الفترة ستكون كافية للوصول، خصوصا وقد بعث لي بوصف تفصيلي للمكان؛ وفعلا اتجهت سريعا بحثا عن أول «فوق تحت» كخطوة أولى حسب التعليمات؛ إلا أنه وللأسف كان هناك بعض أعمال صيانة للطريق التي جعلت من «الفوق تحت، ومن التحت فوق»، الأمر الذي جعلني أضل الطريق رغم محاولاتي المتعددة التي كان آخرها الاتصال على صديقي (المعزب) الذي هو الآخر لم تكن معلوماته أفضل مما لدي؛ وبعد مشاورات متعددة اهتدينا إلى الاتفاق على تحديد نقطة تجمع خارج النطاق العمراني لضمان عدم تغيير المعالم، لنذهب سويا إلى منزله لتناول تلك القهوة التي أعتقد أنه أعيد تسخينها أكثر من مرة؛ قبل أن نأتي متأخرين لأكثر من ساعتين.

ومن المفارقات أن الصديق نفسه دعاني الأسبوع الماضي إلى بيته الجديد؛ إلا أنه في هذه المرة لم يستخدم أسلوب الوصف والتحليل؛ مع أن منزله يقع في منطقة بعيدة ذات معالم مختلفة لم يسبق لي الذهاب إليها؛ كما أنه لم يقم بتسخين القهوة أو إعادة تحضيرها من جديد؛ بل كانت جاهزة بالتزامن مع وقت وصولي؛ الذي استطعت تحديده مسبقا؛ بناء على معلومات الموقع الذي أرسله صديقي لي من جواله الذكي باستخدام تقنية تحديد المواقع؛ التي تشمل خيارات متعددة وتقدم اقتراحات مختلفة وطرقا بديلة مع إرشادات صوتية بأكثر من لغة وتعطي بدائل في حال فقد الاتجاه.

ويبدو أن الحاجة لم تعد قائمة لاستخدام الوصف التقليدي؛ وأصبح بإمكان الجميع استخدام هذه التقنية الجميلة التي قدمت تطبيقات متعددة مجانية وبطرق مبتكرة تجعل الحياة أسهل؛ حيث يمكن تحديد الموقع بمجرد ضغطة زر؛ أو الاتصال والموافقة على تقديم الخدمة؛ كما يحدث مع توصيل طلبات المطاعم والمقاهي وخدمات الصيانة والتشغيل والمواصلات.

غير أن من الملفت أن بعض القطاعات الخدمية التي تمس حياة الناس بشكل مباشر؛ لم تزل في معزل تام عن استخدام هذه التقنية؛ إذ يتطلب الأمر عندما تحتاج لخدمة ميدانية من الشرطة أو المرور أو الدفاع المدني أو الإسعاف؛ أن تقدم وصفا أكثر دقة مما قدمه صديقي قبل ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات؛ ولا بد أن تكون متمكنا من مصطلحات التوصيف المختلفة كفوق تحت والناصية وخلف التجاري..؛ كما يتطلب الأمر معرفة معالم المدينة ومتابعة تغيراتها المتسارعة؛ ومن المهم أن تكون بطارية الجوال مشحونة بالكامل حتى تتمكن من البقاء على اتصال مستمر ولوقت قد يطول كثيرا مع مركز العمليات حتى يتمكن موظفوه من استيعاب معلومات الموقع ثم نقلها من جديد لفرقة الدفاع المدني أو الهلال الأحمر أو حتى الشرطة؛ وعندما لا تفلح محاولات الوصف لخلل ما في المرسل أو المستقبل يصبح من المهم التواجد قبل وصول الفرقة أمام أقرب صيدلية في الشارع العام مع ضرورة تشغيل «الفلشر» والوقوف بشكل عرضي للفت الانتباه؛ هو آخر الحلول!

وعلى كل حال فصديقي يستطيع تسخين قهوته لمرات عديدة إلى أن أتمكن من الوصول إليه؛ ولكن المشكلة في مدى مقدرة المريض على انتظار فرقة إسعاف تحتاج من يخرج إليها ليصف لها الطريق؛ سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا لا يجيدون الوصف، وفي حاجة ماسة لتواجد سريع من رجال أمن لم يتعرفوا على المكان بعد!!

وقفة: من المهم التفكير في كيفية تقديم الخدمة قبل الشروع في تقديمها. ويبقى الأمر أكثر أهمية عندما يتعلق بغايات هامة جدا كالأمن والحياة.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال