أسطورة اليهودي الهارب

السبت - 29 أبريل 2017

Sat - 29 Apr 2017

فريتز لانج مخرج يهودي حصل على منصب المدير العام لاستديوهات السينما في بداية عهد الدكتاتور النازي أدولف هتلر، وفي نفس الليلة التي تم فيها إبلاغ فريتز لانج بمنصبه الجديد مديرا على السينما الألمانية هرب دون أن يبلغ أحدا.

تسبب زحف الحركة النازية في الثلاثينات إلى انتشار الاضطهادات، والإبادات الجماعية، رغم أن التاريخ أثبت أن بعضا من ضباط الحركة النازية كانوا من العرق اليهودي، فانقسم اليهود الألمان وأصبح جزء منهم يخدم التيار النازي، والجزء الآخر هو الضحية قتلا وتعذيبا وتهجيرا.

بعد الهروب، قضى فريتز لانج شهورا في مدن مختلفة بأوروبا حتى استقر في باريس لمدة عام واحد، ومن المتعارف عليه فإن كثيرا من المخرجين اليهود يقدرون على الانتقال إلى وطن جديد، وبعيد، وفي ذلك يقول المخرج فيديريكو فيلليني «عند المخرجين اليهود القدرة على الهجرة، وعلى الاستقرار في مكان جديد، والعمل من جديد، والتكيف، دون أي حنين أو حزن، ولكن بالنسبة لي لا أستطيع أن أترك إيطاليا والرحيل دون عودة».

وفي عام 1934 انتهى المطاف بفريتز لانج بالوصول إلى لوس أنجلوس- أمريكا ليكتشف أن لديه شعبية كبيرة في هوليوود، وأن عددا من الأفلام التي صنعها في العشرينات مسجلة كأعظم الأفلام الصامتة على الإطلاق ومن أبرزها «متروبالس»، و«دكتور موبوزو».

بدأ فريتز لانج في صناعة الأفلام من جديد ولكن بالإنجليزية، ولأنه مخرج متمكن من حرفته نقل التعبيرية الألمانية إلى هوليوود، ورسم في أفلامه الأمريكية الملامح الأولى لنوع «أفلام النوار»؛ حيث أصبح لهذا النوع من الأفلام شعبية كبيرة وامتد من بداية الأربعينات لأكثر من عقدين من الزمن.

أفلام النوار امتداد للتعبيرية الألمانية خاصة في طريقة استخدام الضوء والظلال، ولكن تختلف أفلام النوار في جوهرها الأمريكي الرأسمالي، فتأمركت التعبيرية الألمانية، وأصبحت أفلام النوار بصورتها تنتمي للتعبيرية وفي قصتها الضمنية تتكون من عناصر تجارية رأسمالية في كثير من الأحيان.

فرينتز لانج كان من رواد السينما الصامتة ومن مؤسسي المدرسة التعبيرية الألمانية التي تعتمد في عناصرها الأساسية على الضوء والظلال والزوايا الحادة، وفي أسلوبها السردي تعترض الواقعية بمنطق الحلم، مما يعطي اللقطات حسا شبه سريالي يؤثر على المتفرج تأثيرا سيكولوجيا.

قبل الهروب، قام فريتز لانج بصناعة عدد من التحفة السينمائية الألمانية الصامتة ولكن مع نهاية العشرينات دخل الصوت إلى صناعة الأفلام، بالتالي أصبحت الأفلام ناطقة، وكثير من رواد السينما الصامتة لم ينجح في مواكبة التغيير الجذري للسينما ـ باستثناء فريتز لانج.

آخر أفلام المخرج فريتز لانج في ألمانيا بعنوان «إم» من عام 1931، وهو فيلمه الصوتي الأول، ويعد من أوائل الأفلام الناطقة في التاريخ، ومن أجمل الأفلام على الإطلاق. ومن ناحية تقنية الصوت الجديدة تم استخدامها كأداة فنية محكمة الربط بإيقاع يتناسب مع التدفق الدرامي للقصة، وبوعي عال استطاع لانج أن يستخدم أصواتا من داخل إطار الصورة، ومن خارجها، وحوارات، وهمسات، وصرخات، ومؤثرات صوتية إبداعية كاستخدام عبقري لصوت صفير الشخصية الرئيسة.

الدرس الأعظم من التجربة الفريدة للمخرج فريتز لانج؛ يجب ألا نجعل التجديد عقبة، ويجب التعامل مع التقنيات الجديدة بوعي وذكاء وبراعة، وتوظيفها كأداة مساعدة تجعل من كل أمر جيد عملا عظيما.