باسم سلامه القليطي

المحامي الناجح

السبت - 29 أبريل 2017

Sat - 29 Apr 2017

يحيا الإنسان في هذه الدنيا مسالما متعايشا، لكن الظروف قد تجبره إجبارا على أن يقاتل دفاعا عن دين يعتنقه، أو عن أرض نهبت، أو عن حقوق سلبت، أو عن أفكار يؤمن بها ويريد أن يدعو الآخرين لاعتناقها.

ولكن هذا القتال لا يكون بالسيف والسنان، بل بالحجة والبرهان، باللسان والبيان، بين محام يدافع عن الحق، وآخر يخدم الشيطان، أو ربما كان الاثنان محقين، المحكمة هي المنطق والعقل والدلائل والأفكار، والشهود هم لسانك وحجتك وذكاؤك، والقاضي الذي يصدر الأحكام هو عقول الناس وانطباعهم عنك، والأدلة والشواهد هي ما تقتنع به تلك العقول، والمحامي البارع هو ذلك الشخص المسؤول، الذي يستحضر المعية ويقرأ القضية، فيستخرج منها مواطن الضعف والقوة، فلا يكفي أن تكون صاحب حق كي تنتصر، والنوايا السليمة لوحدها عقيمة، وقد لا تكون ذات قيمة، وإنما تحتاج إلى الذكاء وضبط النفس وإتقان مهارات الحوار، ولا بد أن تتعلم التخطيط والتنظيم وفنون المناظرات، وقد قال مصطفى صادق الرافعي: إن الحقيقة كالأنثى إن لم تتزين بزينتها لم تستهو أحدا.

ومن المهم أن نعلم أنه لا يضر بالقضايا الرابحة، والدعوات الناجحة، مثل ما يضر بها محام صاحب أفق ضيق، وعقل متعصب، وذكاء محدود، وعلم قليل، لأن الناس للأسف يرون أن القضايا ومحاميها شيء واحد، إن ارتفعوا ارتفعت، وإن انتكسوا انتكست، لذا فإن المحامي الفاشل هو ذلك الشخص الذي يحتد ويتعصب، ويثور ويغضب، ويطلق العبارات الجارحة على مخالفيه، والكلمات الحارقة على معارضيه، فينطبق عليه قول الفيلسوف نيتشه: كثيرا ما نرفض فكرة لمجرد أن النبرة التي قيلت بها تثير النفور.

وحتى لا يكون الحديث تنظيريا فهناك أمثلة على محاميين ناجحين عاصرناهما وعايشناهما، أولهما ذلك الرجل الحكيم الأمير سعود الفيصل رحمه الله فقد كان محاميا بارعا، يذود عن قضايا وطنه، ومكتسبات أمته، وثوابت دينه، بذكاء شديد، ورأي سديد، ومن يتتبع حياته العملية التي امتدت لأربعين عاما، وكانت مليئة بالأحداث العصيبة والحروب الرهيبة، سيجد الكثير من الشواهد والدلائل على أن هذا الرجل بحق أنموذج رائع للمحامي الناجح، ولم يتركنا هذا الرجل الحكيم حتى ترك لنا محاميا ناجحا آخر، ذلك تلميذه النجيب الوزير عادل الجبير الذي يواصل العطاء، بذات الحنكة والذكاء.

المحامي الناجح مهمته متعبة، فهو علاوة على معرفته للحق ودفاعه عنه، يجب أن يصدح به بطريقة صحيحة مناسبة، تجذب النفوس إليه ولا تدفعها، تحنو عليها ولا تصفعها، حتى تستوعب تلك النفوس الحقيقة وتفهمها، ولا تنفر منها فتهملها، يقول جبران خليل جبران: الحق يحتاج إلى رجلين: رجل ينطق به ورجل يفهمه. وأما المحامي الفاشل فهو باختصار سبب رئيس في سقوط ما يدافع عنه، وقد قيل: إذا أردت إسقاط فكرة ما، هيئ لها محاميا ضعيفا يدافع عنها.