فيصل الشمري وغزل اليزيدي

بعد 100 يوم من الرئاسة.. الملامح المستقبلية للسياسة الأمريكية

الجمعة - 28 أبريل 2017

Fri - 28 Apr 2017

في العشرين من يناير الماضي بدأت الإدارة الأمريكية الجديدة مهام عملها في البيت الأبيض، امتازت بسرعة إيقاعها نظرا لعدد القرارات الصادرة في الأسابيع الأولى. إذا كان هناك ما يدعو للتأمل من القرارات التي تم إصدارها، فسيكون الرغبة الملحة لتنفيذ التعهدات التي قطعت خلال الحملة الانتخابية، والتي تجلت في وعود من الضروري أن يتم المحافظة عليها لإضفاء المصداقية لهذه الإدارة.

بناء على الأحداث الجارية خلال الأشهر المنصرمة، سنجد بأن هناك العديد من المواقف التي حدثت تمكننا من استشراف الملامح المستقبلية للإدارة الأمريكية، وأبرز أولوياتها التي يمكن أن تحدد نهج السياسة الداخلية والخارجية، والمواقف التي تنوي واشنطن القيام بها. سيتم إعادة معالجة لأهم القضايا العالقة على الساحة الدولية بنهج يختلف عن الإدارة السابقة. أهم القضايا الموجودة بالطبع ستكون روسيا وإيران طرفين فيها، بالإضافة لكوريا الشمالية. لكن، من المهم معرفة ما الذي تريده الشعوب قبل البدء في إيجاد حل للقضايا العالقة.

يوجد عامل مشترك بين كل من روسيا وإيران تتشاركان فيه مع ألمانيا، ففي عام 1930 كانت ألمانيا تبحث عن وسيط دبلوماسي يستطيع أن يساهم في تحسين علاقاتها مع الدول العظمى. لعبت بريطانيا هذا الدور، عن طريق الجلوس مع ألمانيا حول طاولة الحوار لمناقشة المسائل العالقة. كل هذا جعل ألمانيا تبدو على قدم المساواة مع القوى ذاتها التي سبق وخسرت في الحرب العالمية الأولى. كان بالإمكان تجنب حدوث الحرب العالمية الثانية في حال رضخت لهم. لكن من خلال منحها المزيد من الشرعية ومجاراتها في تطلعاتها كل هذا ساهم في ازدياد نفوذها.

كل من روسيا وإيران تحتاجان من الولايات المتحدة أن تلعب دور الوسيط الدبلوماسي كما فعلت بريطانيا مع ألمانيا. بدون هذا الدور للولايات المتحدة، وعقدها اتفاقيات مع روسيا وإيران، فإن هذا من شأنه أن يجعل هاتين الدولتين في وضع أكثر صعوبة في الحصول على المزيد من الدعم السياسي أو حتى المحافظة على الامتيازات التي قدمتها لهما الإدارة السابقة.

الجدير بالذكر، أن كلا من روسيا وإيران في وضع غير مستقر سياسيا. فعلى سبيل المثال، إذا كان المسار الواجب اتباعه هو أن تنفذ جميع تعهدات الحملة الانتخابية أو أكبر عدد منها، يمكننا إذن أن نتوقع فيما يختص الاتفاق النووي أن إيران جاهزة للتفاوض بشكل إيجابي طبقا لشروطها الخاصة، في حين أنها تنتهك بشكل صارخ شروط الاتفاقية.

من ضمن ما صرح به للإعلام المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بعد الشهر الأول من تولي الإدارة الجديدة للرئاسة:

«إن الإدارة الأمريكية تتابع عن كثب تقارير عن تنفيذ إيران مؤخرا اختبارات لصواريخ عسكرية ووصفته بأنه (مثير للقلق) وتدعو إيران لوقف هذه الاستفزازات». واستطرد «يجب على جميع الدول التنفيذ الكامل لجميع بنود قرار الأمم المتحدة رقم 2231، والذي يحكم اتفاق إيران النووي. في حال تم انتهاك بنود القرار، فإننا سوف نعمل على تحميل إيران مسؤولية ذلك كاملة ونحث الدول الأخرى على أن تحذو حذوها».

إذا استمرت الإدارة الحالية على نفس النهج المتبع الآن فإن سلوك مثل هذا من قبل إيران سوف يستخدم كذريعة لنقض الاتفاقية والخروج منها.

بالإضافة لهذا، فإن العلاقات الأمريكية الروسية تتسم بالتعاون وفي نفس الوقت بالحذر الشديد. روسيا تريد أن ينظر إليها باعتبارها قوة عظمى، تدخلها في سوريا هو امتداد لهذا الطموح، بالإضافة لدعمها العلني لإيران مثال على موقفها هذا والذي تنتهجه دوليا. لروسيا هدفان رئيسيان، أن تثبت لشركائها أنها تفي بوعودها لهم، وأن القوة العسكرية الروسية قوية ويمكن الاعتماد عليها.

من ناحية أخرى، فإن العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية قد شهدت توترا ملحوظا خلال العقود الماضية. إلا أن المتابع للأحداث على الساحة الدولية، سيجد أن الوضع استفحل خلال الأشهر المنصرمة، ووصل الترقب على شبه الجزيرة الكورية الشمالية إلى مستوى غير مسبوق منذ نهاية الحرب بين بيونج يانج وسول في عام 1953، لدرجة بالاعتقاد شبه الجازم بنشوء حرب تستخدم فيها الأسلحة النووية. يرجع سبب اشتعال التوتر لإجراء كوريا الشمالية تجارب صاروخية، تلاه اقتراب المدمرة الأمريكية من الحدود الكورية الشمالية، بالإضافة لتصريحات كلا الزعيمين عن استعداد بلاده لخوض الحرب.

أيضا، فلقد أشعلت الضربة الصاروخية الأمريكية لقاعدة الشعيرات في سوريا التكهنات إلى ميل الرئيس الأمريكي لاتخاذ خطوات مماثلة تجاه كوريا الشمالية، خصوصا بعد تصريحه بأنه سئم من التبجح الكوري الشمالي، وأن اتخاذ إجراء عسكري وقائي هو الخيار الأمثل لوقف التطاول الكوري الشمالي.

ختاما، فإن ملامح السياسة الأمريكية بعد أول 100 يوم من الإدارة الجديدة ستتخذ موقفا أكثر تشددا على إيران وجميع القضايا المرتبطة بها. هناك دعم كاف من الحزب الجمهوري الحاكم وحتى دول أوروبا لموقف أكثر حزما ضد إيران. أما فيما يتعلق بالموقف الواجب اتخاذه إزاء المحادثات الروسية الأمريكية لشراكة محتملة في سوريا، فالأمر ليس بجديد، فكل من الولايات المتحدة وروسيا كانتا شريكتين في نفس الجانب في الحرب العالمية الثانية والحرب في أفغانستان بعد 11 سبتمبر وغيرها. أما الشأن الكوري الشمالي، فإن الاعتقاد بأن الضربة الأمريكية لسوريا في الشعيرات لم تكن «رسالة» موجهة إلى موسكو ودمشق فقط، بل وإشارة إلى بيونج يانج أيضا. لكن، واقعيا، مقارنة كوريا الشمالية بسوريا ليست صحيحة. فسوريا لا تملك قوة عسكرية مؤهلة تمكنها من الرد، عكس كوريا الشمالية فإنها قادرة على الرد العسكري. الإدارة الأمريكية تدرك أن أي ضربة عسكرية ضد كوريا، سوف تفجر حربا في المنطقة. لذا، فإن توجيه الولايات المتحدة لضربة وقائية ضد كوريا الشمالية أمر مستبعد لما يترتب عليه من مخاطر تؤدي لصراع نووي.